وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إِلَّا لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ أَعْلَى وَأَسْفَلُ، وَنَفَقَةُ ذِي الرَّحِمِ سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ تَجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إِذَا كَانَ فَقِيرًا بِهِ زَمَانَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ، أَوْ تَكُونُ أُنْثَى فَقِيرَةً، وَكَذَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ لِخُرْقِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنَ الْبُيُوتَاتِ، أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» ، فَإِذَا كَانَ مَالُ الِابْنِ يُضَافُ إِلَى الْأَبِ بِأَنَّهُ كَسْبُهُ صَارَ غَنِيًّا بِهِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: ٨] أَيْ يُحْسِنُ إِلَيْهِمَا، وَلَيْسَ إِحْسَانًا تَرْكُهُمَا مُحْتَاجَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ حَاجَتِهِمَا، وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَعْرُوفِ تَرْكُهُمَا جَائِعَيْنِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِشْبَاعِهِمَا، وَهُوَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ عَلَى السَّوَاءِ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَالْخِطَابِ، وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] ، وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُمْ لِأَنَّ إِيجَابَ نَفَقَةِ الْغَنِيِّ فِي مَالِهِ أَوْلَى.
رَجُلٌ مُعْسِرٌ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ مَحَاوِيجُ وَلَهُ ابْنٌ كَبِيرٌ مُوسِرٌ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِمْ.
قَالَ: (وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إِلَّا لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ كَمَا مَرَّ أَوْ بِالْعَقْدِ كَالْمَهْرِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا، وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَلِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، إِذِ الْجُزْئِيَّةُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، وَنَفَقَةُ النَّفْسِ تَجِبُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا الْجُزْءُ، وَهَذَا إِذَا كَانُوا ذِمَّةً، فَإِنْ كَانُوا حَرْبًا لَا تَجِبُ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: ٩] الْآيَةَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، لِأَنَّ الْإِرْثَ مُنْقَطِعٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِهِ بِالنَّصِّ.
قَالَ: (وَنَفَقَةُ ذِي الرَّحِمِ سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ تَجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ) كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَلَا تَجِبُ لِرَحِمٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ "، فَذِكْرُهُ الْوَارِثَ إِشَارَةٌ إِلَى اعْتِبَارِ قَدْرِ الْمِيرَاثِ وَلِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ.
(وَإِنَّمَا تَجِبُ إِذَا كَانَ فَقِيرًا بِهِ زَمَانَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ) أَمَّا الْفَقْرُ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْعَجْزُ عَنِ الْكَسْبِ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ غَنِيًّا بِكَسْبِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَالِدَانِ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ لِمَا يَلْحَقُهُمَا فِيهِ مِنَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ، وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمَا ضَرَرَ الِاكْتِسَابِ وَذَلِكَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا.
قَالَ: (أَوْ تَكُونُ أُنْثَى فَقِيرَةً) لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْحَاجَةِ، (وَكَذَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ لِخَرْقِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنَ الْبُيُوتَاتِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الِاكْتِسَابِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ ثَابِتٌ، لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْكَبِيرِ الْعَجْزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute