للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ مَالِكٍ قَادِرٍ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَأَلْفَاظُهُ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ، وَأَعْتَقْتُكَ، أَوْ حَرَّرْتُكَ، وَهَذَا مَوْلَايَ، أَوْ يَا مَوْلَايَ، أَوْ هَذِهِ مَوْلَاتِي، وَيَا حُرُّ، وَيَا عَتِيقُ، إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ اسْمًا لَهُ فَلَا يَعْتِقُ، وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْحُرِّيَّةِ إِلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْبَدَنِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ قَبِيحٌ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ أَعْتَقُوا، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى شَرْعِيَّتِهِ، وَأَمَّا النَّدْبِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: ١٤] وَالنَّدْبِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ أَيْضًا. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» «وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: لَئِنْ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ عَرَّضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ "، قَالَ: أَلَيْسَا وَاحِدًا، قَالَ: " لَا، عِتْقُ الرَّقَبَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» .

ثُمَّ الْعِتْقُ قَدْ يَقَعُ قُرْبَةً وَمُبَاحًا وَمَعْصِيَةً، فَإِنْ أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ فَهُوَ قُرْبَةٌ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ أَعْتَقَهُ لِفُلَانٍ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِالْعِتْقِ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ بِهِ تَوَثُّقًا وَخَوْفًا مِنَ التَّجَاحُدِ.

(وَلَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ مَالِكٍ قَادِرٍ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ) ، أَمَّا الْمِلْكُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَضَافَهُ إِلَى مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى التَّبَرُّعَاتِ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ.

قَالَ: (وَأَلْفَاظُهُ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ) كَمَا قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ، (وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ) وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخُلُوصَ وَالْقِدَمَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ، (وَ) قَوْلُهُ (أَعْتَقْتُكَ، أَوْ حَرَّرْتُكَ) صَرِيحٌ أَيْضًا، (وَ) كَذَلِكَ (هَذَا مَوْلَايَ، أَوْ يَا مَوْلَايَ، أَوْ هَذِهِ مَوْلَاتِي) لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ ضَرُورَةً، وَلَوْ نَوَى النُّصْرَةَ وَالْمَحَبَّةَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عُتِقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ مَتَى صَارَ حُرًّا فِي شَيْءٍ صَارَ حُرًّا فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ (وَيَا حُرُّ، وَيَا عَتِيقُ) صَرِيحٌ أَيْضًا (إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ اسْمًا لَهُ فَلَا يَعْتِقُ) إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِنْشَاءَ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْحُرِّيَّةِ إِلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْبَدَنِ) وَهُوَ كَالطَّلَاقِ فِي التَّفْصِيلِ وَالْحُكْمِ وَالْخِلَافِ وَالْعِلَّةِ، وَلَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا شَائِعًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ عُتِقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي الْبَاقِي، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَلَوْ قَالَ: بَعْضُكَ حُرٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>