للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةٌّ: غَمُوسٌ، وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ يَتَعَمَّدُ فِيهَا الْكَذِبَ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَلَغْوٌ: وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ، فَنَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِهَا وَمُنْعَقِدَةٌ: وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

بِالْيَمِينِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ.

الثَّانِي: الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ عَلَى وَجْهٍ يُنَزِّلُ الْجَزَاءَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ: إِنْ لَمْ آتِكَ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَهَذَا النَّوْعُ ثَبَتَ بِالِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَفِيهِ مَعْنَى الْقُوَّةِ وَالتَّوَثُّقِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْحَمْلِ عَلَى فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لِلْمَنْعِ عَنْ فِعْلِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَعْلَمُ كَوْنَ الْفِعْلِ مَصْلَحَةً وَلَا يَفْعَلُهُ لِنُفُورِ الطَّبْعِ عَنْهُ، وَيَعْلَمُ كَوْنَهُ مَفْسَدَةً وَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ لِمَيْلِهِ إِلَيْهِ وَغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ، فَاحْتَاجَ فِي تَأْكِيدِ عَزْمِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ إِلَى الْيَمِينِ، وَكَمَا أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى تَحْمِلُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ لِمَا يُلَازِمُهَا مِنَ الْإِثْمِ بِهَتْكِ الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ وَالْكَفَّارَةِ، فَكَذَلِكَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ يَحْمِلُهُ وَيَمْنَعُهُ لِمَا يُلَازِمُهُ مِنْ زَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ الْمَنْعُ وَالْحَمْلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْيَمِينَيْنِ فَأَلْحَقْنَاهَا بِهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى.

وَالْيَمِينُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْمُعَاهَدَاتِ وَالْخُصُومَاتِ تَوْكِيدًا وَتَوْثِيقًا لِلْقَوْلِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَلِّلَ الْحَلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ: يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَلْعُونٌ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَحَلَّفَ بِهِ» ، وَقِيلَ إِنْ أُضِيفَ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُكْرَهُ وَإِلَى الْمَاضِي يُكْرَهُ، وَهَذَا حَسَنٌ لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِضَافَةِ إِلَى الْمَاضِي بِالْإِجْمَاعِ، وَهِيَ مِنْ أَيْمَانِ السَّفَلَةِ.

قَالَ: (الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ: غَمُوسٌ، وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ يَتَعَمَّدُ فِيهَا الْكَذِبَ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا. وَلَغْوٌ: وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ، فَنَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِهَا. وَمُنْعَقِدَةٌ: وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ) فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِيهَا وَهِيَ الْأُولَى، أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَهِيَ الثَّانِيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهِيَ الثَّالِثَةُ، سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ نَاسِيًا، مُكْرَهًا أَوْ طَائِعًا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

أَمَّا الْغَمُوسُ فَلَيْسَتْ يَمِينًا حَقِيقَةً، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ كَثِيرَةٌ فَلَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً، وَتَسْمِيَتُهَا يَمِينًا مَجَازٌ لِوُجُودِ صُورَةِ الْيَمِينِ. كَمَا نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحُرِّ، سَمَّاهُ بَيْعًا مَجَازًا، قَالُوا: وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلِهَذَا قُلْنَا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَالْيَمِينُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>