للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِيَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْبِرُّ كَفِعْلِ الْفَرَائِضِ وَمَنْعِ الْمَعَاصِي، وَنَوْعٌ يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ كَفِعْلِ الْمَعَاصِي وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، وَنَوْعٌ الْحِنْثُ فِيهِ خَيْرٌ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الْمَاضِي مِثْلُ قَوْلِهِ: وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، أَوْ وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَالْحَالُ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خَمْسٌ مِنَ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَبَهْتُ الْمُسْلِمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْيَمِينُ الْغَمُوسُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَذَكَرَهَا تَعْلِيمًا، أَوْ نَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهَا كَفَّارَةٌ لَمَا دَعَتِ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ اسْمٌ لِمَا يَسْتُرُ الذَّنْبَ فَتَرْفَعُ إِثْمَهُ وَعُقُوبَتَهُ كَغَيْرِهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ بِالْحَدِيثِ، وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِقَوْلِهِ: {بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: ٨٩] وَالْعَقْدُ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحَلُّ وَالْعَقْدُ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَاضِي.

وَأَمَّا اللَّغْوُ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ الدَّارَ، أَوْ مَا كَلَّمْتُ زَيْدًا يَظُنُّهُ كَذَلِكَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ، وَيَكُونُ فِي الْحَالِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ إِنَّ الْمُقْبِلَ لَزَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] . وَحَكَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى نَفَى الْمُؤَاخَذَةَ قَطْعًا؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَسَّرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَيْرُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجَاءَ عَلَى وَجْهَيْنِ: رَجَاءُ طَمَعٍ، وَرَجَاءُ تَوَاضُعٍ، فَجَازَ أَنَّ مَحَمَّدًا ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ. وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَكُونُ اللَّغْوُ إِلَّا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ. وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ الْكَرْخِيُّ فَقَالَ: مَا كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ هُوَ الَّذِي يُلْزِمُهُ بِالْحِنْثِ فَلَا لَغْوَ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَغَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ وَاللَّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَلْغُو الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَيَلْزَمُهُ.

(وَ) أَمَّا الْمُنْعَقِدَةُ (فَهِيَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْبِرُّ كَفِعْلِ الْفَرَائِضِ وَمَنْعِ الْمَعَاصِي) لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَيَتَأَكَّدُ بِالْيَمِينِ، (وَنَوْعٌ يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ كَفِعْلِ الْمَعَاصِي وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ) ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ حَلَفَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنَ حَلَفَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» .

(وَنَوْعٌ الْحِنْثُ فِيهِ خَيْرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>