قَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي، فَقَالَ: إِنْ تَغَدَيْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَرَجَعَ وَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ أَرَادَتِ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا: إِنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ تَطْلُقْ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِاعْتِبَارِ أَهْلِهِ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَسْكُنُ فِي مَحَلَّةِ كَذَا أَوْ سِكَّةِ كَذَا أَوْ دَارِ كَذَا وَأَكْثَرُ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ فَمَهْمَا بَقِيَ فِي الدَّارِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالسُّكْنَى بَاقِيَةٌ، لِأَنَّ السُّكْنَى تَثْبُتُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَلَا تَنْتَفِي إِلَّا بِنَفْيِ الْكُلِّ حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ حَنِثَ لِمَا قُلْنَا، وَعَنْهُ لَوْ بَقِيَ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَالْمِكْنَسَةِ وَالْوَتَدِ لَمْ يَحْنَثْ لِانْتِفَاءِ اسْمِ السُّكْنَى بِذَلِكَ. وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْأَكْثَرَ إِقَامَةً لَهُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ نَقْلُ الْكُلِّ. وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ نَقْلَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ آلَاتِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ مَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ.
وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا فَأَخَذَ فِي نَقْلِ الْأَمْتِعَةِ مِنْ حِينِ حَلَفَ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ شَهْرًا لَمْ يَحْنَثْ. هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي طَلَبِ مَسْكَنٍ آخَرَ أَيَّامًا حَتَّى وَجَدَهُ لَمْ يَحْنَثْ إِذَا لَمْ يَتْرُكِ الطَّلَبَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ، وَلَوِ انْتَقَلَ إِلَى السِّكَّةِ أَوْ إِلَى الْمَسْجِدِ قِيلَ يَبَرُّ كَمَا فِي مَنْزِلٍ آخَرَ، وَقِيلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ بَقِيَ وَطَنُهُ الْأَوَّلُ كَالْمُسَافِرِ إِذَا خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ، فَمَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ حَتَّى مَرَّ بِمِصْرِهِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّ وَطَنَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَذَا هَذَا. وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ: لَوِ انْتَقَلَ إِلَى السِّكَّةِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إِلَى صَاحِبِهَا أَوْ آجَرَهَا وَسَلَّمَهَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ دَارًا أُخْرَى لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَاكِنًا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي هَذَا الْمِصْرِ فَانْتَقَلَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ أَهْلُهُ فِي مِصْرٍ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي مِصْرٍ آخَرَ، وَالْقَرْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ.
(قَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي، فَقَالَ: إِنْ تَغَدَّيْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَرَجَعَ وَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ أَرَادَتِ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا: إِنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ تَطْلُقْ) ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ آَخَرُ: إِنْ ضَرَبْتَهُ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَمْ يَعْتِقْ، وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينُ الْفَوْرِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِامْتِنَاعُ عَنِ الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ وَهُوَ الْغَدَاءُ عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْجَوَابَ يُطَابِقُ السُّؤَالَ، وَكَذَلِكَ قَصْدُهُ مَنْعُهَا عَنِ الْخُرُوجِ الَّذِي هَمَّتْ بِهِ وَالضَّرْبِ الَّذِي هَمَّ وَبِذَلِكَ يَشْهَدُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ قَالَ: إِنْ ضَرَبْتَنِي فَلَمْ أَضْرِبْكَ، أَوْ إِنْ لَقَيْتُكَ فَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْكَ، أَوْ إِنْ كَلَّمْتَنِي فَلَمْ أُجِبْكَ، أَوْ إِنِ اسْتَعَرْتُ دَابَّتَكَ فَلَمْ تُعِرْنِي، أَوْ إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَلَمْ أَقْعُدْ، أَوْ إِنْ رَكِبْتُ دَابَّتَكَ فَلَمْ أُعْطِكَ دَابَّتِي - فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَظَائِرِهِ.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ فَلَمْ تُطَاوِعْهُ فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَدْخُلِي مَعِي الْبَيْتَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ بَعْدَ مَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ طَلُقَتْ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدُّخُولُ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَقَدْ فَاتَ فَصَارَ شَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute