للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَإِذَا كَانَ الزَّانِي مَرِيضًا، فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ، وَإِلَّا لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ، وَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ فَحَتَّى تَتَعَالَى مِنْ نِفَاسِهَا، وَإِنْ كَانَ الرَّجْمُ فَعَقِيبَ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَنْ يُرَبِّيهِ فَحَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَفَى رَجُلًا فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَقَالَ: لَا أَنْفِي بَعْدَهَا أَحَدًا؛ وَلَوْ كَانَ النَّفْيُ حَدًّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النور: ٢] فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدًّا لَاشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَلَوِ اشْتُهِرَ لَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ وَقَدِ اخْتَلَفُوا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ وَرُجُوعِ عُمَرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ، وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي مَسْجِدٍ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» وَرَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسْتَقَادَ فِي الْمَسَاجِدِ أَوْ يُنْشَدَ فِيهَا الشِّعْرُ أَوْ يُقَامَ فِيهَا الْحُدُودُ» وَلِأَنَّهُ عَسَاهُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ مَا يُنَجِّسُ الْمَسْجِدَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَيَأْمُرَ مَنْ يَجْلِدُهُ وَهُوَ يُشَاهِدُهُ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِأَمِينٍ وَيَأْمُرَهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» قَالَ: (وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إِلَّا نَائِبُهُ، وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ؛ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى جَازَ تَعْزِيرُ الصَّبِيِّ، وَحُقُوقُ الشَّرْعِ مَوْضُوعَةٌ عَنْهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَرْبَعٌ إِلَى الْوُلَاةِ) وَعَدَّ مِنْهَا إِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَلِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَّهَمٌ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى عَبْدِهِ لِأَنَّهُ يَخَافُ نُقْصَانَ مَالِيَّتِهِ فَلَا يَضْرِبُ الضَّرْبَ الْمَشْرُوعَ فَلَا تَحْصُلُ مُصْلِحَةُ الزَّجْرِ فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ.

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الزَّانِي مَرِيضًا فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ.

قَالَ: (وَإِلَّا لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إِلَى، الْهَلَاكِ وَلَيْسَ مَشْرُوعًا، وَلِهَذَا «أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسْمِ يَدِ السَّارِقِ» وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ.

قَالَ: (وَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنَ الْحَدِّ هَلَاكُ وَلَدِهَا الْبَرِيءِ عَنِ الْجِنَايَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَمَّ بِرَجْمِ حَامِلٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنْ كَانَ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلٌ فَلَا سَبِيلَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا فَخَلَّى عَنْهَا، فَإِذَا وَلَدَتْ (فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجِلْدُ فَحَتَّى تَتَعَالَى مِنْ نِفَاسِهَا) لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ ضَعِيفَةٌ (وَإِنْ كَانَ الرَّجْمُ فَعَقِيبَ الْوِلَادَةِ) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ وَقَدِ انْفَصَلَ عَنْهَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَنْ يُرَبِّيهِ فَحَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>