للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ: الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالدُّخُولُ، وَهُوَ الْإِيلَاجُ فِي الْقُبُلِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لِأَنَّ فِي ذَلِكَ صِيَانَةَ الْوَلَدِ عَنِ الْهَلَاكِ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْغَامِدِيَّةِ لَمَّا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَهِيَ حَامِلٌ اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي " فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَتْ، فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُكِ، فَجَاءَتْ وَفِي يَدِهِ خُبْزٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا وَلَدِي قَدِ اسْتَغْنَى، فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» وَيُحْبَسُ الْمَرِيضُ حَتَّى يَبْرَأَ وَالْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ إِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ مَخَافَةَ أَنْ تَهْرُبَ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا يُحْبَسُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ صَحِيحٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْحَبْسِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْبِسِ الْغَامِدِيَّةَ؛ وَلَوْ قَالَتِ الزَّانِيَةُ: أَنَا حُبْلَى يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى حَبَسَهَا سَنَتَيْنِ ثُمَّ رَجَمَهَا، وَهَذَا التَّقَادُمُ لَا يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ، وَلَوْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَعِيفُ الْخِلْقَةِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ لَوْ ضُرِبَ شَدِيدًا يُضْرَبُ مِقْدَارَ مَا يَتَحَمَّلُهُ مِنَ الضَّرْبِ.

قَالَ: (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ: الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالدُّخُولُ، وَهُوَ الْإِيلَاجُ فِي الْقُبُلِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] أَوْجَبَ عَلَيْهِنَّ عُقُوبَةً تَتَنَصَّفُ وَالرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَاءِ، وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلِأَنَّهُ لَا خِطَابَ بِدُونِهِمَا، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسِ بِمُحْصَنٍ» وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ» فَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ. وَأَمَّا النِّكَاحُ الصَّحِيحُ وَالدُّخُولُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ» وَالْبِكْرُ اسْمٌ لِمَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَلِأَنَّ بِهِ يُتَوَصَّلُ إِلَى وَطْءِ الْحَلَالِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَالثَّيِّبُ هُوَ الْوَاطِئُ فِي النِّكَاحِ الْحَلَالِ فِي الْقُبُلِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ نِعَمٌ مُتَوَافِرَةٌ مُتَكَامِلَةٌ صَادَّةٌ لَهُ عَنِ الْفَاحِشَةِ فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عِنْدَ وُجُودِهَا مُتَغَلِّظَةً، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ وَالْمَعْصِيَةَ عِنْدَ تَكَامُلِ نِعَمِ الْمُنْعِمِ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ فَيُنَاسِبُ تَغْلِيظُ الْعُقُوبَةِ فِي حَقِّهِ.

وَأَمَّا كَوْنُهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ فَلِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يُوجِبُ إِحْصَانَ أَحَدِ الْوَاطِئِينَ لَا يُوجِبُ إِحْصَانَ الْآخَرِ كَالْمَمْلُوكَيْنِ وَالْمَجْنُونَيْنِ. وَصُورَتُهُ: لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ أَوْ صَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ كَافِرَةٍ وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَصِرْ مُحْصَنًا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً عَاقِلَةً بَالِغَةً وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ لَا تَصِيرُ مُحْصَنَةً إِلَّا إِذَا دَخَلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُحْصَنًا بِهَذِهِ الْإِصَابَةِ لَا بِمَا قَبْلَهَا، لِأَنَّ نِعَمَ الزَّوْجِيَّةِ لَا تَتَكَامَلُ مَعَ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ تُنَفِّرُ الطِّبَاعَ إِمَّا لِعَدَاوَةِ الدِّينِ أَوْ لِذُلِّ الرِّقِّ أَوْ لِعَدَمِ الْعَقْلِ أَوْ لِنُقْصَانِهِ وَعَدَمِ مَيْلِ الصَّبِيَّةِ إِلَيْهِ فَلَا تَتَغَلَّظُ جِنَايَتَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ، وَعَنْهُ أَنَّ الْوَطْءَ إِذَا حَصَلَ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ أُعْتِقَا صَارَا مُحْصَنَيْنِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يُوجِبُ إِحْصَانَ أَحَدِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>