وَلَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ وَلَوْ وَجَدَ عَلَى فِرَاشِهِ امْرَأَةً فَوَطِئَهَا حُدَّ؛ وَالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَقَالَا: يُحَدُّ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا. لَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَصَارَ وُجُودُ الْإِجَارَةِ وَعَدَمُهَا سَوَاءً، فَصَارَ كَأَنَّهُ وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَسْقَتْ رَاعِيًا لَبَنًا فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ، ثُمَّ رُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهُمَا وَقَالَ ذَلِكَ مَهْرُهَا، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مَنَافِعُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَصَارَ كَالْمُتْعَةِ.
وَلَهُمَا فِي اللُّوَاطَةِ أَنَّهَا كَالزِّنَا لِأَنَّهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَقَدْ تَمَحَّضَ حَرَامًا فَيَجِبُ الْحَدُّ كَالزِّنَا، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهَا، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْرَقُ بِالنَّارِ. وَقَالَ عَلِيٌّ: عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْبَسَانِ فِي أَنْتَنِ مَوْضِعٍ حَتَّى يَمُوتَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُهْدَمُ عَلَيْهِمَا جِدَارٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: يُنَكَّسُ مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ. وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا لُغَةً وَلَا شَرْعًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتَصَّ بِاسْمٍ، وَأَنَّهُ يَنْفِي الِاشْتِرَاكَ كَاسْمِ الْحِمَارِ وَالْفَرَسِ فَلَا يَكُونُ زِنًا فَلَا يَلْحَقُ بِالزِّنَا فِي الْحَدِّ، إِذِ الْحُدُودُ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا، وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ بِحَالٍ مَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ كَمَا إِذَا فَعَلَ فِيمَا دُونَ السَّبِيلَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ زِنًا لَمَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي حَدِّهِ، فَإِنَّ حَدَّ الزِّنَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِضَاعَةُ الْوَلَدِ وَلَا اشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ أَوِ السِّيَاسَةِ لِوُجُوبِ الْقَتْلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ، وَيَجِبُ التَّعْزِيرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا قُلْنَا، وَيُسْجَنُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ لِغِلَظِ الْجِنَايَةِ.
وَأَمَّا وَطْءُ الْأَجْنَبِيَّةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَإِنْ كَانَ فِي الدُّبُرِ فَهُوَ كَاللُّواطَةِ حُكْمًا وَاخْتِلَافًا وَتَعْلِيلًا، وَإِنْ كَانَ فِيمَا دُونَ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ: (وَلَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) بِذَلِكَ حَكَمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَعْرِفُ امْرَأَتَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِلَّا بِإِخْبَارِ النِّسَاءِ فَقَدِ اعْتَمَدَ دَلِيلًا، لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ بِإِخْبَارِهِنَّ، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً.
قَالَ: (وَلَوْ وَجَدَ عَلَى فِرَاشِهِ امْرَأَةً فَوَطِئَهَا حُدَّ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ زَوْجَتِهِ بِكَلَامِهَا وَصَوْتِهَا وَجَسِّهَا وَحَرَكَتِهَا وَمَسِّهَا، فَإِذَا لَمْ يَتَفَحَّصْ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُعْذَرْ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى إِلَّا إِذَا دَعَاهَا فَقَالَتْ أَنَا زَوْجَتُكَ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ إِخْبَارَهَا وَهُوَ دَلِيلٌ، وَلَوْ أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ أَنَا فُلَانَةٌ حُدَّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّفَحُّصُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ مَنْ نَادَاهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّفَحُّصُ عَنْ حَالِهَا.
قَالَ: (وَالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ) إِذِ الْمَقْصُودُ هُوَ الِانْزِجَارُ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ لِانْقِطَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute