للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَاطِئُ الْبَهِيمَةِ يَعُزَّرُ، وَلَوْ زَنَى بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ حُدَّ؛ وَلَوْ طَاوَعَتِ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا يُحَدُّ، وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَالتَّعْزِيرُ أَشَدُّ الضَّرْبِ، ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا، ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ، ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الْوِلَايَةِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا، حَتَّى لَوْ غَزَا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ.

قَالَ: (وَوَاطِئُ الْبَهِيمَةِ يُعَزَّرُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنَا وَلَا مَعْنَاهُ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ فَيُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُحْرَقُ بِالنَّارِ، لِمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَعَزَّرَهُ وَأَمَرَ بِالْبَهِيمَةِ فَذُبِحَتْ وَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ وَلَا تُحْرَقُ، وَقَالَا: يُحْرَقُ أَيْضًا هَذَا إِذَا كَانَتِ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ يُطَالِبُ صَاحِبَهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يَذْبَحُهَا، وَهَذَا إِنَّمَا يُعْرَفُ سَمَاعًا لَا قِيَاسًا.

قَالَ: (وَلَوْ زَنَا بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ حُدَّ) خَاصَّةً (وَلَوْ طَاوَعَتِ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ صَبَيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا يُحَدُّ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِفِعْلِ الزِّنَا، وَعَلَى الْمَرْأَةِ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الزِّنَا، وَالْمَأْخُوذُ فِي حَدِّ الزِّنَا الْحُرْمَةُ الْمَحْضَةُ. وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي فِعْلِ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْمُخَاطَبَةِ نَحْوِهِ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا تَمْكِينًا مِنَ الزِّنَا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَفِعْلُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ تَمَحَّضَ حَرَامًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الصَّبِيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ.

قَالَ: (وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) وَقِيلَ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَقِيلَ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ؛ وَالْأَصْلُ أَنْ يُعَزِّرَهُ بِمَا يَنْزَجِرُ بِهِ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ لِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ الْحَبْسَ إِلَى التَّعْزِيرِ فَعَلَ، لِأَنَّهُ يَصْلُحُ زَاجِرًا حَتَّى يَكْتَفِيَ بِهِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا، وَفِي رِوَايَةٍ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ» فَهُمَا اعْتَبَرَا أَدْنَى الْحَدِّ، وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَنَقْصَا مِنْهُ سَوْطًا، وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْأَقَلَّ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَهُوَ ثَمَانُونَ فَنَقَصَ عَنْهُ خَمْسَةً فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي رِوَايَةٍ سَوْطًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ حَقِيقَةً، وَتَعْزِيرُ الْعَبْدِ أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَبْلُغُ فِي تَعْزِيرِهِ حَدَّ الْعَبِيدِ، وَلَا فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ حَدَّ الْأَحْرَارِ.

قَالَ: (وَالتَّعْزِيرُ أَشَدُّ الضَّرْبِ) لِأَنَّهُ خُفِّفَ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ فَيَثْقُلُ مِنْ جِهَةِ الْوَصْفِ كَيْلَا يَفُوتَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الِانْزِجَارُ، وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يُفَرِّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ.

قَالَ: (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَهُوَ الْكِتَابُ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ جَرِيمَةً حَتَّى وَجَبَ فِيهِ الرَّجْمُ. قَالَ: (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ. قَالَ: (ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>