للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، أَوْ لَسْتَ لِأَبِيكَ حُدَّ، وَلَا يُطَالِبُ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ إِلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ بِقَذْفِهِ فِي نَسَبِهِ؛ وَلَيْسَ لِلِابْنِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ أَوْ سَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ، وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْمُلَاعِنَةُ بِوَلَدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا، وَإِنْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

عَلَى الْكَذِبِ وَالْقَاذِفُ لِغَيْرِ الْعَفِيفِ صَادِقٌ.

قَالَ: (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، أَوْ لَسْتَ لِأَبِيكَ حُدَّ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَسْتَ لِأَبِيكَ كَقَوْلِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، وَلَوْ نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ أَوْ نَسَبِهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى خَالِهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ، أَوْ قَالَ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ لَمْ يُحَدُّ، لِأَنَّ نَفْيَهُ عَنْ جَدِّهِ صِدْقٌ وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَجَازٌ عَادَةً وَشَرْعًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: ١٣٣] وَإِبْرَاهِيمُ جَدُّهُ وَإِسْمَاعِيلُ عَمُّهُ، وَقَوْلُهُ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي السَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ وَطَهَارَةِ الْأَصْلِ، حَتَّى لَوْ كَانَ رَجُلًا اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ وَأَرَادَ نِسْبَتَهُ إِلَيْهِ فَهُوَ قَذْفٌ.

وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ، إِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ حُدَّ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ السَّبُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يُحَدُّ، لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ عَادَةً لِنَفْيِ شَبَهِهِ لِأَبِيهِ فِي الْكَرَمِ وَالْمُرُوءَةِ؛ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: زَنَيْتِ بِحِمَارٍ أَوْ بِثَوْرٍ لَا يُحَدُّ.

وَلَوْ قَالَ: زَنَيْتِ بِدَرَاهِمَ وَبِثَوْبٍ أَوْ بِنَاقَةٍ حُدَّ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْتِ وَأَخَذْتِ هَذَا، وَفِي الرَّجُلِ لَا يُحَدُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَأْخُذُ الْمَالَ عَلَى الزِّنَا عُرْفًا، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: زَنَيْتُ بِكَ، لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِتَصْدِيقِهَا وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ لِقَذْفِهَا الرَّجُلَ.

قَالَ: (وَلَا يُطَالِبُ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ إِلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ بِقَذْفِهِ فِي نَسَبِهِ) لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُمْ لِلْجُزْئِيَّةِ، وَيُحَدُّ بِقَذْفِ أُصُولِهِ دُونَ فُرُوعِهِ فَيَثْبُتُ لِلْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا، لِأَنَّ الشَّرْطَ إِحْصَانُ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى الزِّنَا حَتَّى يَقَعَ تَعْيِيرًا كَامِلًا ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا التَّعْيِيرُ إِلَى وَلَدِهِ، وَالرِّقُّ وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا وَقَعَ الْقَذْفُ ابْتِدَاءً لِلْكَافِرِ وَالْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ التَّعْيِيرُ كَامِلًا عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِوَلَدِ الْبِنْتِ طَلَبُ الْحَدِّ بِقَذْفِ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ، لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ كَمَا يَلْحَقُ وَلَدَ الِابْنِ فَكَانُوا سَوَاءً. وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً مَيْتَةً فَصَدَّقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُحَدُّ لِلْبَاقِينَ، لِأَنَّ قَذْفَ الْأُمِّ تَنَاوَلَ الْكُلَّ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَذَفَ الْكُلَّ فَصَدَّقَهُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ.

قَالَ: (وَلَيْسَ لِلِابْنِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ أَوْ سَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ) لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ ابْنِهِ وَلَا السَّيِّدَ بِسَبَبِ عَبْدِهِ حَتَّى لَا يُقْتَلَانِ بِهِمَا.

قَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْمُلَاعِنَةُ بِوَلَدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا) لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ، وَكَذَا إِذَا قَذَفَ امْرَأَةً مَعَهَا أَوْلَادٌ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمَارَةُ الزِّنَا (وَإِنْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ) لِعَدَمِ أَمَارَةِ الزِّنَا.

اعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِنْ كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ أَمَّا إِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>