للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُسْتَأْمَنُ يُحَدُّ بِالْقَذْفِ، وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا الِاعْتِيَاضُ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

حَرَامًا لِعَيْنِهِ سَقَطَ إِحْصَانُهُ لِأَنَّهُ زِنًا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ لَا يَسْقُطُ إِحْصَانُهُ وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٍ لِعَيْنِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِي مِلْكِهِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُوَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُشْتَرَطُ لِلْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ الْإِجْمَاعُ أَوِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ. بَيَانُ ذَلِكَ فِي صُوَرِ الْمَسَائِلِ وَهِيَ: الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا وَالْمَجْنُونُ وَالْمُطَاوِعَةُ وَالْمُحَرَّمَةُ بِالْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ وَوَطْءُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ إِمَّا لِلْجَهْلِ أَوْ لِلْإِكْرَاهِ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ لِأَنَّ كَثِيَرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مُحَرِّمًا، وَلَا نَصَّ فِي إِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ، بَلْ هُوَ نَوْعُ احْتِيَاطٍ إِقَامَةً لِلسَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ فَلَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِالشَّكِّ.

وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَسْقُطُ إِحْصَانُهُ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ عِنْدَهُمَا، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ بِخِلَافِ الْوَطْءِ لِأَنَّ فِيهِ نَصًّا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلِاخْتِلَافِ مَعَ صَرِيحِ النَّصِّ. وَأَمَّا الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ فِي الْمِلْكِ الْأُخْتُ مِنَ الرِّضَاعِ وَالْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مِلْكَ الْمُتْعَةِ فَيَكُونُ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ لَهُ شَبَهٌ بِالزِّنَا.

وَالْحُرْمَةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْحُرْمَةِ بِالْيَمِينِ وَالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَوَطْءِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ، لِأَنَّ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ زِنًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَالْحُرْمَةُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ. وَمَنْ قَذَفَ كَافِرًا زَنَى فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ زِنَاهُ فِي الْكُفْرِ حَرَامٌ؛ وَلَوْ قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُحَدُّ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي حُرِّيَّتِهِ؛ وَلَوْ قَذَفَ مَجُوسِيًّا تَزَوُّجَ بِأُمِّهِ وَدَخْلَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَسْلَمَ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ.

قَالَ: (وَالْمُسْتَأْمَنُ يُحَدُّ بِالْقَذْفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ وَقَدِ الْتَزَمَ إِيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُحَدُّ لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ، وَلَا يُحَدُّ فِي الْخَمْرِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَرَى حِلَّهُ. وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَدُّ فِيهِمَا كَالذِّمِّيِّ، وَلِهَذَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُحَدُّ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَا الْتَزَمَ وَهُوَ إِنَّمَا الْتَزَمَ حُقُوقَ الْعِبَادِ ضَرُورَةَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْمُعَاوَضَاتِ وَالرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْعِبَادِ.

قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ) وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمُ بَعْضُ الْحَدِّ بِطَلَ الْبَاقِي (وَلَا يُورَثُ وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا الِاعْتِيَاضُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>