للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالنِّصَابُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً مِنَ النُّقْرَةِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ النِّصَابِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ مَحْبُوبٌ إِلَى النُّفُوسِ تَمِيلُ إِلَيْهِ الطِّبَاعُ الْبَشَرِيَّةُ خُصُوصًا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَرْدَعُهُ عَقْلٌ، وَلَا يَمْنَعُهُ نَقْلٌ، وَلَا تَزْجُرُهُمُ الدِّيَانَةُ، وَلَا تَرُدُّهُمُ الْمُرُوءَةُ وَالْأَمَانَةُ، فَلَوْلَا الزَّوَاجِرُ الشَّرْعِيَّةُ مِنَ الْقَطْعِ وَالصَّلْبِ وَنَحْوِهِمَا لَبَادَرُوا إِلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ مُكَابِرَةً عَلَى وَجْهِ الْمُجَاهِرَةِ، أَوْ خُفْيَةً عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ، وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، فَنَاسَبَ شُرُوعُ هَذِهِ الزَّوَاجِرِ فِي حَقِّ الْمُسْتَسِرِّ وَالْمُكَابِرِ فِي سَرِقَتَيِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى حَسْمًا لِبَابِ الْفَسَادِ وَإِصْلَاحًا لِأَحْوَالِ الْعِبَادِ، وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَتَنَصَّفُ فَيَكْمُلُ فِي الْعَبْدِ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ؛ وَلَا بُدَّ مِنَ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْقَطْعَ شَرْعٌ زَاجِرًا عَنِ الْجِنَايَةِ، وَلَا جِنَايَةَ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.

وَأَمَّا اشْتِرَاطُ النِّصَابِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَتِ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ لِتَتَحَقَّقَ الرَّغْبَةُ فِيهِ فَيَجِبُ الزَّجْرُ عَنْهُ؛ أَمَّا الْحَقِيرُ لَا تَتَحَقَّقُ الرَّغْبَةُ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يُوجِبِ الْقَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ» . أَيْ مَا يُحْرَسُ بِالْجَبَلِ لِعَدَمِ الْحِرْزِ.

وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، لِأَنَّ بِالْإِذْنِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ؛ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْغَيْرِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ عَلَى مَا مَرَّ، وَتَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَا تَكُونُ عَلَى الْجَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ.

قَالَ: (وَالنِّصَابُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مِنَ النَّقْرَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْقَطْعَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ؛ فَقَدْ نُقِلَ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ قَالَا: كَانَتْ قِيمَةُ الْمِجَنِّ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» ، وَنُقِلَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ وَالْأَخْذُ بِالْأَكْثَرِ أَوْلَى احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، وَفِي الْأَقَلِّ شُبْهَةُ عَدَمِ الْجِنَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ تِبْرٍ مَا لَمْ تَكُنْ مَضْرُوبَةً. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ: إِذَا سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِمَّا يُرَوَّجُ بَيْنَ النَّاسِ قُطِعَ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ التِّبْرُ رَائِجًا بَيْنَ النَّاسِ قُطِعَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَيْضًا: لَوْ سَرَقَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لَا تُرَوَّجُ، فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي عَشْرَةً رَائِجَةً قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا.

وَقَوْلُهُ أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>