للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحِرْزُ يَكُونُ بِالْحَافِظِ وَبِالْمَكَانِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالْحَانُوتِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَافِظُ. وَإِذَا سَرَقَ مِنَ الْحَمَّامِ لَيْلًا قُطِعَ، وَبِالنَّهَارِ لَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ؛ وَالْمَسْجِدُ وَالصَّحَرَاءُ حِرْزٌ بِالْحَافِظِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَطَعْتُهُ، وَإِنْ سَرَقَ دِينَارًا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَا أَقْطَعُهُ، ثُمَّ حَرَّزَ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ - يَعْنِي الْبَيْدَرَ - فَفِيهِ الْقَطْعُ» ؛ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ، وَمَا آوَاهُ الْمَرَاحُ فَفِيهِ الْقَطْعُ» أَيْ مَوْضِعٌ يَرُوحُونَ مِنْهُ.

قَالَ: (وَالْحِرْزُ يَكُونُ بِالْحَافِظِ وَبِالْمَكَانِ) لِأَنَّ الْحِرْزَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمَالُ مُحْرَزًا عَنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا، فَالْحَافِظُ كَمَنْ جَلَسَ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحْرَزٌ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا؛ أَمَّا إِذَا كَانَ مُسْتَيْقِظًا فَظَاهِرٌ؛ وَأَمَّا إِذَا كَانَ نَائِمًا فَلِمَا رُوِيَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ حَافِظًا لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عُرْفًا؛ وَالْحِرْزُ بِالْمَكَانِ هُوَ مَا أُعِدَّ لِلْحِفْظِ.

(كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالْحَانُوتِ) وَالصُّنْدُوقِ وَنَحْوِهِ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَافِظُ) لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِدُونِهِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي أُعِدَّ لِلْحِفْظِ، إِلَّا أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَجِبُ بِالْأَخْذِ مِنَ الْحِرْزِ بِالْمَكَانِ إِلَّا بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ قَائِمَةٌ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ، وَالْمُحْرَزُ بِالْحَافِظِ يَجِبُ الْقَطْعُ كَمَا أَخَذَهُ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ زَالَتْ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَمَّتِ السَّرِقَةُ.

وَلَوْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا فَدَخَلَ نَهَارًا وَأَخَذَ مَتَاعًا لَمْ يُقْطَعْ، لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ وَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ لِعَدَمِ الِاسْتِسْرَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَإِنْ دَخَلَ لَيْلًا قُطِعَ لِأَنَّهُ حِرْزٌ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلْحِرْزِ؛ وَلَوْ دَخَلَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ وَالنَّاسُ مُنْتَشِرُونَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّهَارِ؛ وَلَوْ عَلِمَ صَاحِبُ الدَّارِ بِاللِّصِّ وَاللِّصُّ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ قُطِعَ لِأَنَّهُ مُسْتَخْفٍ؛ وَإِنْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْآخَرِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ.

قَالَ: (وَإِذَا سَرَقَ مِنَ الْحَمَّامِ لَيْلًا قُطِعَ، وَبِالنَّهَارِ لَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ نَهَارًا فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ، وَيُقْطَعُ لَيْلًا لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلْحِرْزِ، وَمَا اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ بَعْضَ اللَّيْلِ فَهُوَ كَالنَّهَارِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ حِرْزٍ أُذِنَ بِالدُّخُولِ فِيهِ كَالْخَانَاتِ وَحَوَانِيتِ التُّجَّارِ وَالضَّيَفِ وَنَحْوِهِمْ.

قَالَ: (وَالْمَسْجِدُ وَالصَّحْرَاءُ حِرْزٌ بِالْحَافِظِ) لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ لَيْسَ بِحِرْزٍ، وَالْمَسْجِدُ مَا بُنِيَ لِلْحِفْظِ وَالْإِحْرَازِ، فَلَوْ سَرَقَ مِنْهُ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ لِوُجُودِ السَّرِقَةِ، بِخِلَافِ الْحَمَّامِ وَالْحِرْزِ الَّذِي أُذِنَ بِالدُّخُولِ فِيهِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَافِظُ لِمَا مَرَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>