وَالْجَوَالِقُ وَالْفُسْطَاطُ كَالْبَيْتِ، فَإِنْ سَرَقَ الْفُسْطَاطَ وَالْجَوَالِقَ لَا يُقْطَعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا حَافِظٌ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يُقْطَعُ النَّبَّاشُ، وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقَذْفُ، وَيَسْأَلُ الشُّهُودَ عَنْ كَيْفِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا وَمَاهِيَّتِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَطْعِ؛ وَإِذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْحِرْزَ وَتَوَلَّى بَعْضُهُمُ الْأَخْذَ قُطِعُوا إِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابٌ؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَالْجَوَالِقُ وَالْفُسْطَاطُ كَالْبَيْتِ) لِأَنَّهُ عُمِلَ لِلْحِفْظِ (فَإِنْ سَرَقَ الْفُسْطَاطَ وَالْجَوَالِقَ لَا يُقْطَعُ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا فِي حِرْزٍ وَإِنْ كَانَا حِرْزًا لِمَا فِيهِمَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا حَافِظٌ) فَيُقْطَعُ لِوُجُودِ الْحِرْزِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ حَتَّى جَعَلُوا شَرِيجَةَ الْبَقَّالِ حِرْزًا لِلْجَوَاهِرِ لِأَنَّهُ يُحْرِزُ خَلْفَهَا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ.
(وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يُقْطَعُ النَّبَّاشُ) لِأَنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ لِغَيْرِ الْكَفَنِ فَلَا يَكُونُ حِرْزًا لِلْكَفَنِ.
قَالَ: (وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقَذْفُ) يَعْنِي بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَبِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بُدَّ مِنْ إِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ إِحْدَى الْحُجَّتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّثْنِيَةُ كَالْأُخْرَى وَهِيَ الْبَيِّنَةُ كَمَا فِي الزِّنَا وَحَدُّ الشُّرْبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَلَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ وَالشُّرْبَ ثَبَتَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْأُخْرَى كَالْقِصَاصِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالتَّثْنِيَةِ فِي الشَّهَادَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يُفِيدُ تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَاشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فِي الزِّنَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّنَ الْمُقِرُّ الرُّجُوعَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ مَا إِخَالُهُ سَرَقَ» وَإِذَا رَجَعَ عَنِ الْإِقْرَارِ صَحَّ فِي الْقَطْعِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَالِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُكَذِّبُهُ.
قَالَ: (وَيَسْأَلُ الشُّهُودَ عَنْ كَيْفِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا وَمَاهِيَّتِهَا) لِأَنَّهُ يَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَيَسْأَلُ عَنْهُ احْتِيَاطًا فِي الْحُدُودِ. قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَطْعِ) حَتَّى لَا يَقْطَعَ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ، لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّرِقَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِدُونِ دَعْوَاهُ، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَهَبَهُ الْمَسْرُوقَ أَوْ يُمَلِّكَهُ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ، فَإِذَا حَضَرَ انْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ.
قَالَ: (وَإِذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْحِرْزَ وَتَوَلَّى بَعْضُهُمُ الْأَخْذَ قُطِعُوا إِنْ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصَابٌ) لِوُجُودِ السَّرِقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute