للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ لَمْ يُقْطَعْ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَشَلَّهَا أَوْ إِبْهَامِهَا أَوْ أُصْبُعَيْنِ سِوَاهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَقْطَعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَوْ أَشَلَّهَا أَوْ بِهَا عَرَجٌ يَمْنَعُ الْمَشْيَ عَلَيْهَا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَلَا رِجْلُهُ الْيُسْرَى.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

«فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تُحْسَمُ يُؤَدِّي إِلَى التَّلَفِ، لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْقَطِعُ إِلَّا بِهِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ غَيْرُ مُتْلِفٍ، وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ.

(فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ لَمْ يُقْطَعْ وَيُحْبَسْ حَتَّى يَتُوبَ) وَالْأَصْلُ أَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا، لِأَنَّ الْحُدُودَ شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ عَنِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ لَا مُتْلِفَةً لِلنُّفُوسِ الْمُحْتَرَمَةِ، فَكُلُّ حَدٍّ يَتَضَمَّنُ إِتْلَافَ النَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يُشْرَعْ حَدًّا، وَكُلُّ قَطْعٍ يُؤَدِّي إِلَى إِتْلَافِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ كَانَ إِتْلَافًا لِلنَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُشْرَعُ، وَقَطْعُ الْيَدِ الْيُسْرَى وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى يُؤَدِّي إِلَى إِتْلَافِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ فَلَا يُشْرَعُ حَدًّا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَبِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَحَجَّهُمْ فَانْعَقَدَ إِجْمَاعًا. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَقَدْ سَرَقَ يُقَالُ لَهُ " سَدُومٌ " فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّمَا عَلَيْهِ قَطْعُ يَدٍ وَرِجْلٍ، فَحَبَسَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَقْطَعْهُ فَفَتْوَى عَلِيٍّ وَرُجُوعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ مِنْ غَيْرِهِمَا دَلِيلٌ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ شَرِيعَةً عَرَفُوهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِي جَبْرًا لَحِقَهُ.

وَمَا رُوِيَ مِنَ الْحَدِيثِ فِي قَطْعِ أَرْبَعَةِ السَّارِقِ طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ، أَوْ نَقُولُ: لَوْ صَحَّ لَاحْتَجَّ بِهِ الصَّحَابَةُ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَحَيْثُ حَجَّهُمْ وَرَجَعُوا إِلَى قَوْلِهِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ذَاهِبَةً أَوْ مَقْطُوعَةً تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنَ الْمِفْصَلِ، وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِهْلَاكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ.

قَالَ: (فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَ الْيُسْرَى أَوْ أَشَلَّهَا أَوْ إِبْهَامِهَا أَوْ أَصْبُعَيْنِ سِوَاهَا، وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَقْطَعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَوْ أَشَلَّهَا أَوْ بِهَا عَرَجٌ يَمْنَعُ الْمَشْيَ عَلَيْهَا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَلَا رِجْلُهُ الْيُسْرَى) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ بِحَالٍ لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لَا يَنْتَفِعُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، أَوْ لَا يَنْتَفِعُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى لِآفَةٍ كَانَتْ قَبْلَ الْقَطْعِ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا أَوْ مَشْيًا وَقِوَامُ الْيَدِ بِالْإِبْهَامِ، فَعَدَمُهَا أَوْ شَلَلُهَا كَشَلَلِ جَمِيعِ الْيَدِ، وَلَوْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَ، لِأَنَّ فَوَاتَ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ نَقْصًا ظَاهِرًا فِي الْبَطْشِ، بِخِلَافِ الْأُصْبَعَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْإِبْهَامِ فِي الْبَطْشِ.

وَلَوْ كَانَتِ الْيَدُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>