للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنِ اشْتَرَى السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوِ ادَّعَاهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِذَا قُطِعَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا؛ وَمَنْ قُطِعَ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ سَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى دُونَ الْيُسْرَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْكَامِلِ جَائِزٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ ذِكْرُهُ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ، وَلَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَإِلَّا فَلَا لِمَا بَيَّنَّا؛ فَإِنْ سَرَقَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ حُبِسَ وَضُرِبَ، لِأَنَّ الْقَطْعَ لَمَّا سَقَطَ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الزَّجْرُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

قَالَ: (وَإِنِ اشْتَرَى السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوِ ادَّعَاهُ لَمْ يُقْطَعْ) ، وَقَالَ زُفَرُ: إِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ قُطِعَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتِ انْعِقَادًا وَظُهُورًا، وَبِالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ فَلَمْ تَثْبُتِ الشُّبْهَةُ.

وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلظُّهُورِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَا إِذَا مَلَكَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَأَنَّهَا تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ.

قَالَ: (وَإِذَا قُطِعَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رَدَّهَا) لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ؛ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ وَرَدََّ الرِّدَاءَ عَلَى صَفْوَانَ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَلَكَهَا غَيْرُهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا لِمَا قُلْنَا.

(وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْفٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَهَا لَمَلَكَهَا مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ فَيَكُونُ الْقَطْعُ وَاقِعًا عَلَى أَخْذِ مِلْكِهِ وَلَا يَجُوزُ. وَرَوَى ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إِنِّي آمُرُهُ بِرَدِّ قِيمَةِ مَا اسْتَهْلَكَهُ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُؤَدِّي إِلَى إِيجَابِ مَا يُنَافِي الْقَطْعَ لَكِنْ يُفْتَى بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَحْظُورًا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَكَذَلِكَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، فَإِنْ سَقَطَ الْقَطْعُ لِشُبْهَةٍ ضَمِنَ، لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَإِنَّمَا سَقَطَ بِالْقَطْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا سَقَطَ الْقَطْعُ عَادَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ. قَالَ: (وَمَنْ قُطِعَ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ سَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ) ؛ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ إِذَا رَدَّهَا صَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى فِي حَقِّ الضَّمَانِ، فَكَذَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ؛ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا صَارَتْ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ فِي حَقِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اسْتَهْلَكَهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَمَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّهِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي سَرِقَتِهِ وَبِالرَّدِّ إِلَى الْمَالِكِ إِنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ فَشُبْهَةُ السُّقُوطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>