وَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهَا كَمَا إِذَا كَانَ غَزْلًا فَنُسِجَ قُطِعَ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بَاقِيَةٌ نَظَرًا إِلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّ.
قَالَ: (وَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهَا كَمَا إِذَا كَانَ غَزْلًا فَنُسِجَ قُطِعَ) لِتَبَدُّلِ الْعَيْنِ اسْمًا وَصُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى يَمْلِكَهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَإِذَا تَبَدَّلَتِ الْعَيْنُ انْتَفَتِ الشُّبْهَةُ النَّاشِئَةُ مِنَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَالْقَطْعِ فِيهِ فَيُقْطَعُ.
وَلَوْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا، ثُمَّ إِنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ بَاعَهَا مِنْ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ عَادَ وَسَرَقَهَا، قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ حَقِيقَةً لَكِنْ تَبَدَّلَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِيهَا فَكَانَ شُبْهَةُ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ قَائِمَةً. وَقَالَ مَشَايِخُ خُرَاسَانَ: يُقْطَعُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ سَقَطَتْ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْقَطْعِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ انْعَدَمَتْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ وَجَدَ دَلِيلَ الْعِصْمَةِ وَفَقَدَ دَلِيلَ سُقُوطِهَا فَبَقِيَتْ مَعْصُومَةً، فَإِذَا عَادَتْ إِلَى الْبَائِعِ عَادَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً كَمَا كَانَتْ.
وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ قُطْنًا فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ غُزِلَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ لِمَا بَيَّنَا؛ وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبَ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ نَقَضَ الثَّوْبَ فَسَرَقَهُ ثَانِيًا لَمْ يُقْطَعْ، لِأَنَّ الْعَيْنَ وَالْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ.
وَحُضُورُ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالسَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالسَّرِقَةِ قَضَاءٌ بِالْمِلْكِ لَهُ؛ وَلَوْ غَابَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لِلِاسْتِيفَاءِ شَبَهًا بِالْقَضَاءِ وَلِهَذَا رُجُوعُ الشُّهُودِ وَجَرْحُهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، وَغَيْبَةُ الشُّهُودِ وَمَوْتُهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَمْنَعُ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا، لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تُدْرَأُ بِشُبْهَةٍ تُتَوَهَّمُ مِثْلَ رُجُوعِ الشُّهُودِ وَجَرْحِهِمْ، لِأَنَّ هَذَا التَّوَهُّمَ لَا يَنْقَطِعُ، فَلَوِ اعْتُبِرَ لَمْ يُقَمْ حَدٌّ أَبَدًا، وَلَوْ فَسَقُوا أَوْ عَمُوا أَوْ جُنُّوا أَوِ ارْتَدُّوا بَعْدَ الْقَضَاءِ يُمْنَعُ الْإِمْضَاءُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ دُونَ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يُظْهِرُ وِلَايَةَ الِاسْتِيفَاءَ لِلْقَاضِي، لِأَنَّ الْحَقَّ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَاجَةُ إِلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ وِلَايَةِ الِاسْتِيفَاءِ، فَكَانَ الِاسْتِيفَاءُ قَضَاءً مَعْنًى، فَكَانَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ حَادِثَةً قَبْلَ الْقَضَاءِ مَعْنًى بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ الْحَقَّ إِذَا ظَهَرَ بِالْقَضَاءِ فَوِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ ثَبَتَتْ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ لَا بِالْقَضَاءِ.
وَلَوْ سَرَقَتْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَا سَقَطَ الْقَطْعُ، لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ فَيَمْنَعُ الْقَضَاءَ أَوْلَى، وَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَةِ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ.
اعْلَمْ أَنَّ الْيَدَ ضَرْبَانِ: صَحِيحَةٌ، وَغَيْرُ صَحِيحَةٍ. فَالسَّرِقَةُ مِنَ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْقَطْعُ، يَدُ مَالِكٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ، وَمِنْ غَيْرِ الصَّحِيحَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْقَطْعُ؛ وَالْيَدُ الصَّحِيحَةُ يَدُ مِلْكٍ وَيَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ ضَمَانٍ، وَالَّتِي لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ يَدُ السَّارِقِ، أَمَّا السَّرِقَةُ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا مِنْ يَدِ الْأَمَانَةِ فَإِنَّهَا كَيَدِ الْمَالِكِ، لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدٌ مُوَدَعَةٌ وَيَدُ الضَّمَانِ يَدٌ صَحِيحَةٌ كَالْمُرْتَهِنِ وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْغَاصِبِ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، وَالْأَخْذُ دَفْعًا لِلضَّمَانِ عَنْهُمْ فَأَشْبَهَتْ يَدَ الْمَالِكِ، وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا إِذَا سَرَقَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute