وَيُطْعَنُ تَحْتَ ثَنْدَوَتِهِ الْيُسْرَى حَتَّى يَمُوتَ، وَلَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى الْكُلِّ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يَعْنِي الْيَدَ الْيُمْنَى وَالرِّجْلَ الْيُسْرَى، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَعْصُومًا عِصْمَةً مُؤَبَّدَةً، فَلِهَذَا قَالَ: مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، حَتَّى لَوْ قَطَعَ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّ خَطَرَهُ مُؤَقَّتٌ فَلَا يَجِبُ فِيهِ حَدٌّ كَالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصَابٌ لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ، وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ حَدًّا عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَهَذَا لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى، وَتَغَلَّظَتِ الْكُبْرَى بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَالْقَتْلُ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَيُغَلَّظُ هُنَا بِأَنْ يُقْتَلَ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى عَفْوِ الْوَلِيِّ وَصُلْحِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا يَقْتُلُهُمْ حَدًّا، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ مُوجِبِهِمَا، وَهَكَذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْحَدِّ فِيهِمْ، وَتَكُونُ " أَوْ " فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْوَاوِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَتْرُكُ الصَّلْبَ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّشْهِيرِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ لِيُعْتَبَرَ بِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّشْهِيرَ حَصَلَ بِالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ مُبَالَغَةً فَيُخَيَّرُ فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ، لِأَنَّ النَّفْسَ وَمَا دُونَهَا إِذَا اجْتَمَعَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى دَخَلَ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ كَالْمُحْصَنِ إِذَا زَنَا وَسَرَقَ.
قُلْنَا هَذَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَجَبَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ إِخَافَةُ الطَّرِيقِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَالْحَدُّ الْوَاحِدُ لَا يَدْخُلُ بَعْضُهُ بَعْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ وَالرَّجْلِ حَدٌّ وَاحِدٌ فِي أَخْذِ الْمَالِ فِي الْكُبْرَى حَدَّانِ فِي الصُّغْرَى، وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي صَلْبِهِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُصْلَبُ حَيًّا.
(وَيُطْعَنُ تَحْتَ ثَنْدَوَتِهِ الْيُسْرَى حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي زَجْرِ غَيْرِهِ. قَالَ: (وَلَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَسْتَضِرُّ النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَهُوَ الزَّجْرُ وَالِاشْتِهَارُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُتْرَكُ عَلَى الْخَشَبَةِ حَتَّى يَتَقَطَّعَ فَيَسْقُطُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ، وَالْحُكْمُ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الصُّغْرَى مِنْ شَلَلِ أَيْدِيهِمْ وَذَهَابِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: (وَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ الْمُحَارِبَةَ تَتَحَقَّقُ بِالْكُلِّ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَقْدَمُوا عَلَى ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ غُلِبُوا أَوْ هُزِمُوا انْحَازُوا إِلَيْهِمْ فَكَانُوا عَوْنًا لَهُمْ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ الرِّدْءُ فِي الْغَنِيمَةِ كَالْمُقَاتِلِ، وَلِأَنَّ الرِّدْءَ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقَفَ لِيَقْتُلَ إِذَا قُتِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute