وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ صَارَ الْقَتْلُ لِلْأَوْلِيَاءِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَيُقْتَلُ كَأَهْلِ الْبَغْيِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مُحَرَّمٍ مِنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ صَارَ الْقَتْلُ لِلْأَوْلِيَاءِ) مَعْنَاهُ: أَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ، فَلَوْ عَفَا الْوَلِيُّ أَوْ صَالَحَ سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا صَارَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ.
أَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ. وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ فَلِأَنَّ الْقَافِلَةَ كَالْحِرْزِ، فَقَدْ حَصَلَ الْخَلَلُ فِي الْحِرْزِ فِي حَقِّهِمْ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ فَيَصِيرُ الْقَتْلُ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ مُسْتَأْمَنٌ قُطِعُوا، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لَخَلَلٌ فِي الْعِصْمَةِ وَذَلِكَ يَخُصُّهُ، وَخَلَلُ الْحِرْزِ يَعُمُّ الْكُلَّ.
ثُمَّ شَرَائِطُ قَطْعِ الطَّرِيقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَنْقَطِعُ بِهِمُ الطَّرِيقُ، وَلَا يَكُونُ فِي مِصْرَ وَلَا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَلَا بَيْنَ مَدِينَتَيْنِ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ السَّفَرِ، لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِانْقِطَاعِ الْمَارَّةِ وَالسَّابِلَةِ، وَلَا يَمْتَنِعُونَ عَنِ الْمَشْيِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَيَلْحَقُهُمُ الْغَوْثُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا، أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى نَظَرًا لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ بِدَفْعِ شَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُفْسِدِينَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ كَانُوا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ فَلَا يَتَمَكَّنُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ مِنْ مُغَالَبَتِهِمْ؛ فَأَمَّا إِذَا تَرَكُوا هَذِهِ الْعَادَةَ وَأَمْكَنَ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَيْهِمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ أُجْرِيَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ، وَلِهَذَا قَالَ: لَا يَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَالْكُوفَةِ، لِأَنَّ الْغَوْثَ فِي زَمَانِهِ كَانَ يَلْحَقُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِاتِّصَالِ الْمِصْرَيْنِ، أَمَّا الْآنَ فَهِيَ بَرِّيَّةٌ يَجْرِي فِيهَا قَطْعُ الطَّرِيقِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الِامْتِنَاعُ بِالْخَشَبِ وَالسِّلَاحِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يُوجَدُ بِهِمَا.
وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْحَدَّ إِذَا وُجِدَ سَبُبُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُسْتَوْفَى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ؛ وَإِذَا تَابَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا سَقَطَ عَنْهُمُ الْحَدُّ وَبَقِيَ حَقُّ الْعِبَادِ فِي الْمَالِ وَالْقِصَاصِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] فَيَقْتَضِي خُرُوجُهُ عَنِ الْجُمْلَةِ عَمَلًا بِالْاسْتِثْنَاءِ، وَفِي السَّرِقَةِ إِذَا تَابَ وَلَمْ يَرُدَّ الْمَالَ يُقْطَعُ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} [المائدة: ٣٩] لَيْسَ اسْتِثْنَاءً، فَلَا يَقْتَضِي خُرُوجَ التَّائِبِ مِنَ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ يَسْتَغْنِي عَنْ غَيْرِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ أَوْلَى، أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ يَفْتَقِرُ فِي صِحَّتِهِ إِلَى مَا قَبْلَهُ فَافْتَرَقَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute