فَمَنْ مَاتَ فَرَسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ كَانَ مُهْرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ، وَمَنْ جَاوَزَ رَاجِلًا ثُمَّ اشْتَرَى فَرَسًا فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ، وَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ أَخْمَاسًا: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِلْغَانِمِينَ، لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ (سم) ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِيُقَسِّمَ بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ.
(فَمَنْ) دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ (مَاتَ فَرَسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ) وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ قَبْلَ حُصُولِ الْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَهَا، لِأَنَّ الْفَارِسَ مَنْ أَوْجَفَ عَلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ بِفَرَسٍ فَدَخَلَ فَارِسًا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِرْهَابُ الْعَدُوِّ دُونَ الْقِتَالِ عَلَيْهَا، حَتَّى إِنَّ مَنْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ، وَإِرْهَابُ الْعَدُوِّ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَنْتَشِرُ الْخَبَرُ وَيَصِلُ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ دَخَلَ كَذَا كَذَا فَارِسًا، وَكَذَا كَذَا رَاجِلًا وَيَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْقِتَالِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَتَعْبِئَةِ الْجُيُوشِ وَتَرْتِيبِ الصُّفُوفِ، وَالْوَقْتُ حِينَئِذٍ يَضِيقُ عَنِ اعْتِبَارِ الْفَارِسِ مِنَ الرَّاجِلِ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَكَتْبِهِمْ، وَقَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إِلَى الْقِتَالِ رَاجِلًا فِي الْمَضَايِقِ وَأَبْوَابِ الْحُصُونِ وَبَيْنَ الشَّجَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الدُّخُولَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ كَإِصَابَةِ الْعَدُوِّ بِقَوْلِهِ: {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ} [التوبة: ١٢٠] .
قَالَ: (وَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ فَرَسَهُ (أَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ كَانَ مُهْرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ) ؛ لِأَنَّ إِقْدَامَهُ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَمُجَاوَزَتَهُ بِفَرَسٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْقِتَالَ دَلِيلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُجَاوَزَةُ لِلْقِتَالِ فَارِسًا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَهُ سَهْمُ فَارِسٍ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَصَارَ كَمَوْتِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْقِتَالِ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
قَالَ: (وَمَنْ جَاوَزَ رَاجِلًا ثُمَّ اشْتَرَى فَرَسًا فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمُجَاوَزَةِ لِمَا بَيَّنَّا. وَعَنِ الْحَسَنِ: إِذَا دَخَلَ وَهُوَ رَاجِلٌ فَاشْتَرَى فَرَسًا أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوِ اسْتَأْجَرَهُ أَوِ اسْتَعَارَهُ وَقَاتَلَ عَلَيْهِ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، فَصَارَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شُهُودِ الْوَقْعَةِ رِوَايَتَانِ؛ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْفَرَسِ حَالَةَ الْقِتَالِ أَكْثَرُ مِنْهَا حَالَةَ الْمُجَاوَزَةِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ بِالدُّخُولِ، فَلِأَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِالْقِتَالِ أَوْلَى.
وَإِذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ فِي السُّفُنِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ فَهُمْ وَمَنْ فِي الْبَرِّ سَوَاءٌ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِمْ حَالَةُ الْمُجَاوَزَةِ لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ؛ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسْهَمَ لِلْخَيْلِ بِخَيْبَرَ وَكَانَتْ حُصُونًا، لَمْ يُقَاتِلُوا عَلَى الْخَيْلِ وَإِنَّمَا قَاتَلُوا رَجَّالَةً، وَلِأَنَّ مَنْ فِي السُّفُنِ يَحْتَاجُ إِلَى الْخَيْلِ إِذَا وَصَلُوا جَزِيرَةً أَوْ سَاحِلًا فَصَارَ كَمَا فِي الْبَرِّ.
قَالَ: (وَتُقَسَّمُ الْغَنِيمَةُ أَخْمَاسًا: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِلْغَانِمِينَ، لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ، ذَكَرَ الْخُمْسَ لِهَؤُلَاءِ، بَقِيَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: غَنِمْتُمْ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute