للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ، وَلَا تُحْدَثُ كَنِيسَةٌ وَلَا صَوْمَعَةٌ وَلَا بَيْعَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا انْهَدَمَتِ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَمُوَالَاتُهُ وَبِدَايَتُهُ بِالسَّلَامِ وَالتَّوْسِعَةُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَجَالِسِ، وَالْكَافِرُ يُعَامَلُ بِضِدِّ ذَلِكَ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ» ؛ فَإِذَا لَمْ يَتَمَيَّزُوا عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا ذَكَرْنَا رُبَّمَا عَظَّمْنَا الْكَافِرَ وَوَالَيْنَاهُ وَبَدَأْنَاهُ بِالسَّلَامِ ظَنًّا مِنَّا أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَوَجَبَ تَمْيِيزُهُمْ بِمَا ذَكَرْنَا احْتِرَازًا عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ السِّيمَاءَ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى حَالِ الْإِنْسَانِ، قَالَ تَعَالَى: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: ٢٧٣] وَقَالَتْ الْفُقَهَاءُ: مَنْ رَأَيْنَا عَلَيْهِ زِيَّ الْفَقْرِ جَازَ لَنَا دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَجْعَلَ فِي وَسَطِهِ كَسْتِيجًا مِثْلَ الْخَيْطِ الْغَلِيظِ مِنَ الشَّعْرِ أَوِ الصُّوفِ وَيَكُونُ غَلِيظًا لِيَظْهَرَ لِلرَّائِي، وَلَا يَلْبَسُوا الْعَمَائِمَ وَيَلْبَسُوا قَمِيصًا خَشِنًا جُيُوبُهُمْ عَلَى صُدُورِهِمْ، وَأَنْ يَلْبَسُوا الْقَلَانِسَ الطِّوَالَ الْمُضَرَّبَةَ، وَأَنْ يَرْكَبُوا السُّرُوجَ الَّتِي عَلَى قَرْبُوسَهِ مِثْلُ الرُّمَّانَةِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَهَيْئَةِ الْأَكُفِّ، وَأَنْ يَجْعَلُوا شِرَاكَ نِعَالِهِمْ مِثْلَنَا وَلَا يَحْذُوَهَا مِثْلَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً وَلَا أَرْدِيَةً مِثْلَ الْمُسْلِمِينَ.

(وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ) فَإِنْ دَعَتْ يَرْكَبُونَ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَيَنْزِلُونَ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ (وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ) لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَيَجِبُ أَنْ تُمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَالَ الْمَشْيِ فِي الطُّرُقِ وَالْحَمَّامَاتِ، فَيُجْعَلُ فِي أَعْنَاقِهِنَّ طَوْقُ الْحَدِيدِ، وَيُخَالِفُ إِزَارُهُنَّ إِزَارَ الْمُسْلِمَاتِ، وَيَكُونُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَاتٌ تُمَيَّزُ بِهَا عَنْ دُورِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَقِفَ عَلَيْهِمُ السَّائِلُ فَيَدْعُوَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ تَمْيِيزُهُمْ بِمَا يُشْعِرُ بِذُلِّهِمْ وَصَغَارِهِمْ وَقَهْرِهِمْ بِمَا يَتَعَارَفُهُ كُلُّ بَلْدَةٍ وَزَمَانٍ.

قَالَ: (وَلَا تُحْدَثُ كَنِيسَةٌ وَلَا صَوْمَعَةٌ وَلَا بَيْعَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) ؛ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» ؛ وَالْمُرَادُ إِحْدَاثُ الْكَنِيسَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ: " لَا خِصَاءَ " هُوَ الِاعْتِزَالُ عَنِ النِّسَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الرُّهْبَانُ فَكَأَنَّهُ خِصَاءٌ مَعْنًى.

(وَإِذَا انْهَدَمَتِ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا) لِأَنَّهُمْ أُقِرُّوا عَلَيْهَا، وَالْبِنَاءُ لَا يَتَأَبَّدُ، وَلَا بُدَّ مِنْ خَرَابِهِ، فَلَمَّا أَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا فَقَدِ الْتَزَمَ لَهُمْ إِعَادَتَهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحَوِّلُوهَا لِأَنَّهُ إِحْدَاثٌ لَا إِعَادَةَ، ثُمَّ قِيلَ إِنَّمَا يُمْنَعُونَ فِي الْأَمْصَارِ، أَمَّا الْقُرَى الَّتِي لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمَعُ وَالْحُدُودُ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِيهَا، وَهَذَا فِي الْقُرَى الَّتِي أَكْثَرُهَا ذِمَّةٌ، أَمَّا قُرَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَرْضُ الْعَرَبِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَالْقُرَى. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بَيْعَةٌ، وَلَا يُبَاعُ فِيهَا خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ مِصْرًا كَانَتْ أَوْ قَرْيَةً، وَيُمْنَعُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ مَسْكَنًا أَوْ وَطَنًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ» ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ وَالرِّبَا وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>