للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ (سم) وَيَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ عَلَى وَصْفِ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ، وَيَقُولُ لَهُ: أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ إِلَّا بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ إِنْ تَغَلَّبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَنَا فَتَصِيرُ أَحْكَامُهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا ظَفِرْنَا بِهِمْ نَسْتَرِقُّهُمْ وَلَا نُجْبِرُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الْجِزْيَةِ بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَلَابِسِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَلَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا بَدَلٌ عَنِ الْقَتْلِ، وَقَدْ سَقَطَ الْقَتْلُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ.

قَالَ: (وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ) فَلَا تَجِبُ إِلَّا وَاحِدَةٌ، وَقَالَا: تُؤْخَذُ لِجَمِيعِ مَا مَضَى، لِأَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إِسْقَاطِ الْوَاجِبِ كَالدُّيُونِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعُقُوبَاتِ التَّدَاخُلُ كَالْحُدُودِ، أَوْ لِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ، وَالزَّجْرُ عَنِ الْمَاضِي مُحَالٌ.

(وَيَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ عَلَى وَصْفِ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] ، فَيَكُونُ الْآخِذُ قَاعِدًا وَالذِّمِّيُّ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُؤْخَذُ بِتَلَبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا (وَيَقُولُ لَهُ: أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ) وَلَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ لِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ، وَتَنْقِيصُ الْمَالِ يَحْصُلُ بِهِ وَبِنَائِبِهِ، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الْجِزْيَةِ لِسَنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ كَالْخَرَاجِ؛ فَلَوْ عَجَّلَ لِسَنَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ رَدَّ خَرَاجَ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَلَا يَرُدُّ خَرَاجَ السَّنَةِ الْأُولَى إِذَا مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ دُخُولِهَا لِأَنَّهُ أَدَّاهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ.

قَالَ: (وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ إِلَّا بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ إِنْ تَغَلَّبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَنَا فَتَصِيرُ أَحْكَامُهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا ظَفِرْنَا بِهِمْ نَسْتَرِقُّهُمْ وَلَا نَجْبُرُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُمْ إِذَا صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي عِقْدِ الذِّمَّةِ فَيَصِيرُونَ كَالْمُرْتَدِّينَ وَمَالُهُمْ كَمَالِهِمْ إِلَّا أَنَّهُمْ يُسْتَرَقُّونَ وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَصِيرُوا مِنْ أَهْلِ دَارِنَا سِلْمًا لَنَا وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالِاسْتِرْقَاقِ؛ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْمُرْتَدَّةِ الْعَوْدُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْجَبْرِ، فَإِنْ عَادُوا إِلَى الذِّمَّةِ أُخِذُوا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ النَّقْضِ كَمَا فِي الرِّدَّةِ، وَلَا يُؤَاخَذُونَ بِمَا أَصَابُوا فِي الْمُحَارَبَةِ.

قَالَ: (وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الْجِزْيَةِ بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَلَابِسِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ) ؛ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لِبَاسِهِ وَمَرْكَبِهِ وَلَا فِي هَيْئَتِهِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْمُرُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَخْتِمُوا رِقَابَهُمْ بِالرَّصَاصِ وَأَنْ يُظْهِرُوا مَنَاطِقَهُمْ وَأَنْ يَحْلِقُوا نَوَاصِيَهِمْ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَثْوَابِهِمْ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ صَالَحَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يَشُدُّوَا فِي أَوْسَاطِهِمُ الزُّنَّارَ، وَكَانَ بِحَضْرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>