فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ الْعَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيَتَبَرَّأَ عَنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَيَزُولُ (سم) ، مِلْكُهُ عَنْ أَمْوَالِهِ زَوَالًا مُرَاعًى، فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ إِلَى حَالِهَا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّ الظَّاهِرَ إِنَّمَا ارْتَدَّ لِشُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَوْ ضَيْمٍ أَصَابَهُ فَيُكْشَفُ ذَلِكَ عَنْهُ لِيَعُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَهْوَنُ مِنَ الْقَتْلِ.
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَقِيلَ إِنْ طَلَبَ التَّأْجِيلَ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا قُتِلَ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ. وَأَمَّا وُجُوبُ قَتْلِهِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: ١٦] وَالْمُرَادُ أَهْلُ الرِّدَّةِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَقَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: (فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ الْعَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ بِالْكُفْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْغَرَضِ الْمُسْتَحَبِّ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ. قَالَ: (وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَيَتَبَرَّأَ عَنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ فَارْتَدَّ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا أَبَدًا، لِأَنَّا إِنَّمَا نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ظَاهِرَ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ تَوْبَتَهُ قُبِلَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِيمَا بَعْدُ فَتُقْبَلُ.
قَالَ: (وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ أَمْوَالِهِ زَوَالًا مُرَاعًى، فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ إِلَى حَالِهَا) وَقَالَا: هِيَ عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ فَيَبْقَى مِلْكُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ، وَلَهُ أَنَّهُ كَافِرٌ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا مُبَاحُ الدَّمِ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ وَالْمَالِكِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ يُرْتَجَى إِسْلَامُهُ وَهُوَ مَدْعُوٌّ إِلَيْهِ فَيُوقَفُ أَمْرُهُ فَإِنْ عَادَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ.
اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرِ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَمَامِ الْوِلَايَةِ وَلَا إِلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ. وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لِلْمُرْتَدِّ.
وَمَوْقُوفٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ، فَإِنْ أَسْلَمَ حَصَلَتِ الْمُسَاوَاةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ فَيُوقَفُ لِذَلِكَ. وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَبْضِ الدُّيُونِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ أَسْلَمَ نُفِّذَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ. وَعِنْدَهُمَا هِيَ جَائِزَةٌ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. لَهُمَا أَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفَاتِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا وَمِلْكُهُ ثَابِتٌ لِمَا بَيَّنَّا فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إِلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ مِنَ الصَّحِيحِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ بِزَوَالِ شُبْهَتِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مِنَ الْمَرِيضِ مِنَ الثُّلُثِ، لِأَنَّ رِدَّتَهُ تُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، لِأَنَّ مَنِ انْتَحَلَ نِحْلَةً قَلَّمَا يَتْرُكُهَا سِيَّمَا وَقَدْ أَعْرَضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute