وَلَا يَنْظُرُ إِلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إِلَّا إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إِنْ لَمْ يَخَفِ الشَّهْوَةَ، فَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الظَّهْرِ فَالْبَطْنُ أَوْلَى، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهَا أَكْثَرُ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَوْضِعَ الزِّينَةِ، فَإِنْ سَافِرَ مَعَهُنَّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُنَّ وَيُنْزِلَهُنَّ، يَأْخُذُ بِالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ، لِأَنَّ اللَّمْسَ مِنْ فَوْقِ الثِّيَابِ لَا يُوجِبُ الشَّهْوَةَ فَصَارَ كَالنَّظَرِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُتَجَرِّدَةً أَوْ عَلَيْهَا ثِيَابٌ رَقِيقَةٌ يَجِدُ حَرَارَتَهَا مِنْ فَوْقِهِ لَا يَمَسُّهَا تَحَرُّزًا عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ؛ وَأَمَّا أَمَةُ الْغَيْرِ فَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى الْخُرُوجِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَيَقَعُ النَّظَرُ إِلَيْهَا ضَرُورَةً وَمَسُّ بَعْضِ أَعْضَائِهَا كَمَا فِي الْمَحَارِمِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى أَمَةً مُتَخَمِّرَةً أَلْقَى خِمَارَهَا وَقَالَ لَهَا: يَا لَكَاعُ لَا تَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ. وَلَا يَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّهْوَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا حُرِّمَ مِنَ الْمَحَارِمِ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ فِيهِنَّ عَادَةً فَلَأَنْ يَحْرُمَ مِنَ الْإِمَاءِ كَانَ أَوْلَى، وَإِنَّمَا يُبَاحُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ لِمَا بَيَّنَّا، إِلَّا إِذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ مَعَ الشَّهْوَةِ دُونَ الْمَسِّ، لِأَنَّ الْمَسَّ بِشَهْوَةٍ اسْتِمْتَاعٌ بِأَمَةِ الْغَيْرِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ، أَمَّا النَّظَرُ فَلَيْسَ بِاسْتِمْتَاعٍ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ الْوَطْءُ. وَالْمُسَافِرَةُ بِأَمَةِ الْغَيْرِ قِيلَ تَحِلُّ كَالْمَحَارِمِ وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ إِلَى أَمَةِ الْغَيْرِ كَثِيرَةٌ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمَحَارِمِ، وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَى الْمُسَافَرَةِ وَالْخَلْوَةِ مَعَهَا، وَفِي الْمَحَارِمِ ضَرُورَةٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا يَحِلُّ لِلْأَمَةِ النَّظَرُ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ وَمَسِّهِ وَغَمْزِهِ مَا خَلَا الْعَوْرَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ الشَّهْوَةِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ جَارِيَةَ الْمَرْأَةِ تَخْدِمُ زَوْجَهَا وَتَغْمِزُهُ وَتَدْهِنُهُ فَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ.
قَالَ: (وَلَا يَنْظُرُ إِلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إِلَّا إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إِنْ لَمْ يَخَفِ الشَّهْوَةَ) ؛ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَادَ الْقَدَمَ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهَا عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَجَانِبِ لِإِقَامَةِ مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِأَسْبَابِ مَعَاشِهَا.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] ؛ قَالَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا لِمَا بَيَّنَّا، وَمَوْضِعُهُمَا الْوَجْهُ وَالْيَدُ، وَأَمَّا الْقَدَمُ فَرُوِيَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى الْمَشْيِ فَتَبْدُو؛ وَلِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدِ أَكْثَرُ، فَلَأَنْ يَحِلَّ النَّظَرُ إِلَى الْقَدَمِ كَانَ أَوْلَى؛ وَفِي رِوَايَةٍ الْقَدَمُ عَوْرَةٌ فِي حَقِّ النَّظَرِ دُونَ الصَّلَاةِ.
قَالَ: (فَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرُورَةِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا لِتُحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهَا، وَكَمَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَةِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ) لِأَنَّ الْمَسَّ أَغْلَظُ مِنَ النَّظَرِ، فَإِنَّ الشَّهْوَةَ بِالْمَسِّ أَكْثَرُ، فَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى أَوْ كَانَ شَيْخًا لَا يُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute