للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا بَأْسَ (سم) بِتَوَسُّدِهِ وَافْتِرَاشِهِ، وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ مَا سِدَاهُ إِبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ خَزٌّ؛

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُبْسَ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ إِلَّا مَا كَانَ هَكَذَا وَهَكَذَا، وَذَكَرَ إِصْبَعَيْنَ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا» وَرُوِيَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لِبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَأَرَادَ بِهِ الْأَعْلَامَ» . وَأَهْدَى الْمُقَوْقِسُ مَلِكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُبَّةً أَطْرَافُهَا مِنْ دِيبَاجٍ فَلَبِسَهَا. وَلِأَنَّ النَّاسَ اعْتَادُوا لِبْسَ الثِّيَابِ وَعَلَيْهَا الْأَعْلَامُ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَبَعٌ لِلثَّوْبِ فَلَا حُكْمَ لَهُ.

قَالَ: (وَلَا بِأْسَ بِتَوَسُّدِهِ وَافْتِرَاشِهِ) وَكَذَا سُتُرُ الْحَرِيرِ وَتَعْلِيقُهُ عَلَى الْبَابِ، وَقَالَا: يُكْرَهُ لِعُمُومِ النَّهْيِ وَلِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. وَلَهُ أَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي اللُّبْسِ وَهَذَا دُونَهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ اللُّبْسِ حَلَالٌ وَهُوَ الْعَلَمُ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ جَعْلُهُ دِثَارًا بِالْإِجْمَاعِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مِرْفَقَةُ حَرِيرٍ عَلَى بِسَاطِهِ، وَلِأَنَّ افْتِرَاشَهُ اسْتِخْفَافٌ بِهِ فَصَارَ كَالتَّصَاوِيرِ عَلَى الْبِسَاطِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِبْسَ التَّصَاوِيرِ.

قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ مَا سِدَاهُ إِبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ خَزٌّ) لِأَنَّ الثَّوْبَ بِالنَّسْجِ، وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ، فَتُعْتَبَرُ اللُّحْمَةُ دُونَ السِّدَا، فَمَا كَانَ سِدَاهُ حَرِيرًا وَلُحْمَتُهُ غَيْرَهُ يَجُوزُ لُبْسَهُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا كَانَ بِالْعَكْسِ يَجُوزُ فِي الْحَرْبِ خَاصَّةً بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ أَهْيَبُ وَأَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لُبْسَ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ جَائِزٌ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رَخَّصَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» ، وَلِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَالْحَرَامُ لَا يَحِلُّ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَقَدِ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ فَإِنَّ الْخَالِصَ إِنِ اخْتُصَّ بِمَزِيَّةِ الْخُلُوصِ فَالْمَخْلُوطُ اخْتُصَّ بِزِيَادَةِ الثَّخَانَةِ وَالْقُوَّةِ فَاسْتَوَيَا فَيُجْتَزَأُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ رَقِيقًا وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِرْهَابُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ لَبِنَةُ الْحَرِيرِ: أَيِ الْقَبُّ وَتِكَّةُ الدِّيبَاجِ وَالْإِبْرَيْسَمُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ، وَمَا كَانَ سِدَاهُ ظَاهِرًا كَالْعِتَابِيِّ، قِيلَ يُكَرَهُ لِأَنَّ لَابِسَهُ فِي مَنْظَرِ الْعَيْنِ لَابِسُ حَرِيرٍ وَفِيهِ خُيَلَاءُ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ اعْتِبَارًا لِلُّحْمَةِ كَمَا مَرَّ، وَتُكْرَهُ الْخِرْقَةُ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْعَرَقَ وَيَمْتَخِطُ بِهَا لِأَنَّهُ ضَرْبُ كِبْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ لِإِزَالَةِ الْأَذَى وَالْقَذَرِ لَا بَأْسَ بِهَا، وَلَا بَأْسَ بِالْخِرْقَةِ يَمْسَحُ بِهَا الْوُضُوءَ لِتَوَارُثِ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ، وَقِيلَ إِنْ فَعَلَهُ تَكَبُّرًا يُكَرَهُ كَالتَّرَبُّعِ فِي الِاتِّكَاءِ إِنْ فَعَلَهُ تَكَبُّرًا يُكْرَهُ وَلِلْحَاجَةِ لَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>