للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا احْتِكَارَ فِي غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَمَا جَلَبَهُ (سم) ؛ وَإِذَا رُفِعَ إِلَى الْقَاضِي حَالُ الْمُحْتَكِرِ يَأْمُرُهُ بِبَيْعِ مَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ وَعِيَالِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ؛ وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فِي الْقِيمَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ؛

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

عَلَى النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ.

وَالِاحْتِكَارُ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنَ الْمِصْرِ أَوْ مِنْ مَكَانٍ يَجْلِبُ طَعَامَهُ إِلَى الْمِصْرِ وَيَحْبِسُهُ إِلَى وَقْتِ الْغَلَاءِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا يَضُرُّ بِهِ الِاحْتِكَارُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمُ الشِّرَاءَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ وَيَنْتَظِرُ زِيَادَةَ الْغَلَاءِ وَالْكُلُّ مَكْرُوهٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنْ يَكُونَ يَضُرُّ بِأَهْلِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ فَلَيْسَ بِمُحْتَكِرٍ لِأَنَّهُ حَبَسَ مِلْكَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ تَلَقِّي الْجَلَبِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْهُ.

قَالَ: (وَلَا احْتِكَارَ فِي غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَمَا جَلَبَهُ) أَيْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْمِصْرِ أَوْ مَا زَرَعَهُ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَجْلِبَ وَلَا يَزْرَعَ فَلَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ فِيمَا جَلَبَهُ أَيْضًا لِعُمُومِ النَّهْيِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ إِذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْضِعٍ يُجْلَبُ مِنْهُ إِلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا.

قَالَ: (وَإِذَا رُفِعَ إِلَى الْقَاضِي حَالُ الْمُحْتَكِرِ يَأْمُرُهُ بِبَيْعِ مَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ وَعِيَالِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ قُوتِهِ وَعِيَالِهِ غَيْرُ مُحْتَكِرٍ وَيَتْرُكُ قُوتَهُمْ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ؛ وَقِيلَ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ أَوَّلُ مَرَّةٍ نَهَاهُ عَنِ الِاحْتِكَارِ، فَإِنْ رُفِعَ إِلَيْهِ ثَانِيًا حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ بِمَا يَرَى زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أُجْبِرَ الْمُحْتَكِرِينَ عَلَى بَيْعِ مَا احْتَكَرُوا وَلَا أُسَعِّرُ، وَيُقَالُ لَهُ: بِعْ كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ وَبِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا وَلَا أَتْرُكُهُ يَبِيعُ بِأَكْثَرَ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى: «أَنَّ السِّعْرَ غَلَا بِالْمَدِينَةِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ سَعَّرْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ» ؛ وَلِأَنَّ التَّسْعِيرَ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ وَإِنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: " أُجْبِرُهُمْ عَلَى الْبَيْعِ " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: إِمَّا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْحَجْرِ.

قَالَ: (وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ) لِمَا بَيَّنَّا.

قَالَ: (إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فِي الْقِيمَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ) لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الضَّيَاعِ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ الضَّيَاعَ وَالْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنَ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا حَجْرًا وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَلَوْ سَعَّرَ السُّلْطَانُ عَلَى الْخَبَّازِينَ الْخُبْزَ فَاشْتَرَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ السِّعْرِ وَالْخَبَّازُ يَخَافُ إِنْ نَقَصَهُ ضَرَبَهُ السُّلْطَانُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: بِعْنِي بِمَا تُحِبُّ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ؛ وَلَوِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ بَيْنَهُمْ فَدَفَعَ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا لِيُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ مِنَ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إِلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>