للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ، وَيُكْرَهُ إِعْطَاءُ سُؤَّالِ الْمَسَاجِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَخَطَّى النَّاسَ وَلَا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّينَ لَا يُكْرَهُ؛ وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ، إِلَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَلَالٌ، وَوَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ دُعِيَ أَنْ يُجِيبَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ، وَلَا يَرْفَعُ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا يُعْطِي سَائِلًا إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا؛ وَمَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ عَلَيْهَا لَهْوٌ إِنْ عَلِمَ بِهِ لَا يُجِيبُ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْكَسْبِ، وَلَا ذُلَّ فِي السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى وَصَاحِبِهِ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا. «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: " هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ فَآكُلَهُ؟» .

قَالَ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّا يَسْأَلُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ خُدُوشٌ أَوْ خُمُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ فِي وَجْهِهِ» وَلِأَنَّهُ أَذَلَّ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» .

قَالَ: (وَيُكَرَهُ إِعْطَاءُ سُؤَّالِ الْمَسَاجِدِ) فَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: يُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَقُمْ بَغِيضُ اللَّهِ، فَيَقُومُ سُؤَّالُ الْمَسْجِدِ.

(وَإِنْ كَانَ لَا يَتَخَطَّى النَّاسَ وَلَا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّينَ لَا يُكْرَهُ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَمَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: ٥٥] وَإِنْ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَيَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى أَذَى النَّاسِ حَتَّى قِيلَ: هَذَا فِلْسٌ يُكَفِّرُهُ سَبْعُونَ فِلْسًا.

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مَالِهِمُ الْحُرْمَةُ. قَالَ: (إِلَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَلَالٌ) بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ تِجَارَةٍ أَوْ زَرْعٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ حَرَامٍ وَالْمُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَكَذَلِكَ أَكَلُ طَعَامِهِمْ.

قَالَ: (وَوَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ) قَدِيمَةٌ وَفِيهَا مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» ، وَهِيَ إِذَا بَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ الْجِيرَانَ وَالْأَقْرِبَاءَ وَالْأَصْدِقَاءَ وَيَذْبَحَ لَهُمْ وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا.

(وَيَنْبَغِي لِمَنْ دُعِيَ أَنْ يُجِيبَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَثِمَ وَجَفَا لِأَنَّهُ اسْتَهْزَأَ بِالْمُضَيِّفِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ» .

قَالَ: (وَلَا يَرْفَعُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يُعْطِي سَائِلًا إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا) لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ دُونَ الرَّفْعِ وَالْإِعْطَاءِ.

قَالَ: (وَمَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ عَلَيْهَا لَهْوٌ إِنْ عَلِمَ بِهِ لَا يُجِيبُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الْإِجَابَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>