وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْأَوْعِيَةِ لِنَقْلِ الْمَاءِ إِلَى الْبُيُوتِ، وَاتِّخَاذُهَا مِنَ الْخَزَفِ أَفْضَلُ، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِلَا سَرَفٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، وَمَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ حَتَّى عَجَزَ عَنْ طَلَبِ الْقُوتِ فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يُطْعِمُهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لَزِمَهُ السُّؤَالُ، فَإِنْ تَرَكَ السُّؤَالَ حَتَى مَاتَ أَثِمَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ) ؛ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» . وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَالْأَدَبُ أَنْ يَبْدَأَ بِالشَّبَابِ قَبْلَهُ وَبِالشُّيُوخِ بَعْدَهُ، وَلَا يَمْسَحَ يَدَهُ قَبْلَ الطَّعَامِ بِالْمَنْدِيلِ لِيَكُونَ أَثَرُ الْغَسْلِ بَاقِيًا وَقْتَ الْأَكْلِ، وَيَمْسَحَهَا بَعْدَهُ لِيَزُولَ أَثَرُ الطَّعَامِ بِالْكُلِّيَّةِ.
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْأَوْعِيَةِ لِنَقْلِ الْمَاءِ إِلَى الْبُيُوتِ) لِحَاجَةِ الْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ عَوْرَةٌ وَقَدْ نُهِينَ عَنِ الْخُرُوجِ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: ٣٣] فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ ذَلِكَ كَسَائِرِ حَاجَاتِهَا.
قَالَ: (وَاتِّخَاذُهَا مِنَ الْخَزَفِ أَفْضَلُ) إِذْ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا مَخْيَلَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنِ اتَّخَذَ أَوَانِيَ بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» ، وَيَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ شَبَهٍ أَوْ أَدَمٍ، وَلَا يَجُوزُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِمَا مَرَّ.
قَالَ: (وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِلَا سَرَفٍ وَلَا تَقْتِيرٍ) وَلَا يَتَكَلَّفُ لِتَحْصِيلِ جَمِيعِ شَهَوَاتِهِمْ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ جَمِيعَهَا وَيَتَوَسَّطُ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧] (٦٧)) وَلَا يَسْتَدِيمُ الشِّبَعَ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا» .
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْإِفْسَادُ لِمَا اكْتَسَبَهُ وَالسَّرَفُ وَالْمَخْيَلَةُ فِيهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ} [القصص: ٧٧] وَقَالَ: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥] (٢٠٥)) وَقَالَ: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: ١٤١] (٣١)) وَقَالَ: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: ٢٦] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: ٢٧] .
قَالَ: (وَمَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ حَتَّى عَجَزَ عَنْ طَلَبِ الْقُوتِ فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يُطْعِمُهُ) صَوْنًا لَهُ عَنِ الْهَلَاكِ، فَإِنِ امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ اشْتَرَكُوا فِي الْإِثْمِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا آمَنَ بِاللَّهِ مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ طَاوٍ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ ضَيَاعًا بَيْنَ أَقْوَامٍ أَغْنِيَاءَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ» وَإِنْ أَطْعَمَهُ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَكَذَا إِذَا رَأَى لَقِيطًا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ أَعْمَى كَادَ أَنْ يَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ وَصَارَ هَذَا كَإِنْجَاءِ الْغَرِيقِ.
قَالَ: (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لَزِمَهُ السُّؤَالُ) فَإِنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لَكِنْ لَا يَحِلُّ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السُّؤَالُ آخِرُ كَسْبِ الْعَبْدِ» ، (فَإِنْ تَرَكَ السُّؤَالَ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ) لِأَنَّهُ أَلْقَى بِنَفْسِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَإِنَّ السُّؤَالَ يُوصِلُهُ إِلَى مَا يُقَوِّمُ بِهِ نَفْسَهُ