أَوْ صَامَ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ؛ وَمَنِ امْتَنَعَ مِنَ التَّدَاوِي حَتَى مَاتَ لَمْ يَأْثَمْ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَكُّهِ بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، وَاتِّخَاذُ أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ وَالْبَاجَاتِ وَوَضْعُ الْخُبْزِ عَلَى الْمَائِدَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْحَاجَةِ سَرَفٌ، وَوَضْعُ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ، وَمَسْحُ الْأَصَابِعِ وَالسِّكِينِ بِهِ مَكْرُوهٌ، وَلَكِنْ يُتْرَكُ الْمِلْحُ عَلَى الْخُبْزِ، وَسُنَنُ الطَّعَامِ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِهِ، وَالْحَمْدَلَةُ فِي آخِرِهِ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَوْ صَامَ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ إِلَّا بِأَكْلٍ، وَالْمَيْتَةُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ إِمَّا حَلَالٌ أَوْ مَرْفُوعُ الْإِثْمِ فَلَا يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إِذَا تَعَيَّنَ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِذَا كَانَ يَأْثَمُ بِتَرْكِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَمَا ظَنُّكَ بِتَرْكِ الذَّبِيحَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحَلَالَاتِ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا.
قَالَ: (وَمَنِ امْتَنَعَ مِنَ التَّدَاوِي حَتَّى مَاتَ لَمْ يَأْثَمْ) لِأَنَّهُ لَا يَقِينَ بِأَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ يَشْفِيهِ وَلَعَلَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَكُّهِ بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ٥٧] وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: ٨٧] . قَالَ: (وَتَرْكُهُ أَفْضَلٌ) لِئَلَّا تَنْقُصَ دَرَجَتُهُ، وَيَدْخُلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: ٢٠] .
قَالَ: (وَاتِّخَاذُ أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ وَالْبَاجَاتِ، وَوَضْعُ الْخُبْزِ عَلَى الْمَائِدَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْحَاجَةِ سَرَفٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَدَّهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَدْعُوَ الْأَضْيَافَ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ حَتَّى يَأْتُوا عَلَى آخِرِهِ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً. وَمِنِ الْإِسْرَافِ أَنْ يَأْكُلَ وَسَطَ الْخُبْزِ وَيَدَعَ حَوَاشِيَهُ، أَوْ يَأْكُلَ مَا انْتَفَخَ مِنْهُ وَيَتْرُكَ الْبَاقِي لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ تَجَبُّرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ يَتَنَاوَلُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا إِذَا اخْتَارَ رَغِيفًا دُونَ رَغِيفٍ.
قَالَ: (وَوَضْعُ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ، وَمَسْحُ الْأَصَابِعِ وَالسِّكِّينِ بِهِ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ يُتْرَكُ الْمِلْحُ عَلَى الْخُبْزِ) لِأَنَّ غَيْرَهُ يَسْتَقْذِرُ ذَلِكَ وَفِيهِ إِهَانَةٌ بِالْخُبْزِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِإِكْرَامِهِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَكْرِمُوا الْخُبْزَ فَإِنَّهَ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» ؛ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا اسْتَخَفَّ قَوْمٌ بِالْخُبْزِ إِلَّا ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالْجُوعِ» . وَمِنْ إِكْرَامِ الْخُبْزِ أَنْ لَا يَنْتَظِرُوا الْإِدَامَ إِذَا حَضَرَ. وَمِنَ الْإِسْرَافِ إِذَا سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ لُقْمَةٌ أَنْ يَتْرُكَهَا. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلْقِ عَنْهَا الْأَذَى ثُمَّ كُلْهَا» .
قَالَ: (وَسُنَنُ الطَّعَامِ: الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِهِ وَالْحَمْدَلَةُ فِي آخِرِهِ) ، فَإِنْ نَسِيَ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ إِذَا ذَكَرَ: بِاسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، وَهُوَ شُكْرُ الْمُؤْمِنِ إِذَا رُزِقَ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى مِنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ فِي أَوَّلِهِ وَيَحْمَدَ اللَّهَ فِي آخِرِهِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute