وَمُبَاحٌ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الشِّبَعِ لِتَزْدَادَ قُوَّةُ الْبَدَنِ؛ وَحَرَامٌ، وَهُوَ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ إِلَّا إِذَا قَصَدَ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ الضَّيْفُ؛ وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» . وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ طَاعَةٌ. وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ: الصَّلَاةُ وَأَكْلُ الْخُبْزِ إِشَارَةً إِلَى مَا قُلْنَا.
قَالَ: (وَمُبَاحٌ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الشِّبَعِ لِتَزْدَادَ قُوَّةُ الْبَدَنِ) وَلَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ، وَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا إِنْ كَانَ مِنْ حِلٍّ، فَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ وَرُطَبٌ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَتُحَاسَبُونَ فِي هَذَا) فَرَفَعَهُ عُمَرُ وَرَفَضَهُ وَقَالَ: أَفِي هَذَا نُحَاسَبُ؛ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إِي وَاللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَتُحَاسَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ وَالْمَاءِ الْحَارِّ إِلَّا خِرْقَةً تَسْتُرُ بِهَا عَوْرَتَكَ، وَكِسْرَةَ خُبْزٍ تَرُدُّ بِهَا جَوْعَتَكَ، وَشَرْبَةَ مَاءٍ تُطِفِئُ بِهَا عَطَشَكَ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَكْفِي ابْنَ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ وَلَا يُلَامُ عَلَى كَفَافٍ» .
قَالَ: (وَحَرَامٌ، وَهُوَ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ) لِأَنَّهُ إِضَاعَةٌ لِلْمَالِ وَإِمْرَاضٌ لِلنَّفْسِ وَلِأَنَّهُ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ؛ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً أَشَّرَ مِنَ الْبَطْنِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» . وَتَجَشَّأَ رَجُلٌ فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَضِبَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «نَحِّ عَنَّا جُشَاكَ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا» . وَقِيلَ لِعُمْرَ: أَلَا تَتَّخِذُ جَوَارِشَ؛ فَقَالَ: وَمَا يَكُونُ الْجَوَارِشُ؛ قَالُوا: هَاضُومًا يَهْضِمُ الطَّعَامَ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَ يَأْكَلُ الْمُسْلِمُ فَوْقَ الشِّبَعِ؟ .
قَالَ: (إِلَّا إِذَا قَصَدَ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ) لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً (أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ الضَّيْفُ) لِأَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ وَالضَّيْفُ لَمْ يَشْبَعْ رُبَّمَا اسْتَحَى فَلَا يَأْكُلُ حَيَاءً وَخَجَلًا، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ فَوْقَ الشِّبَعِ لِئَلَّا يَكُونَ مِمَّنْ أَسَاءَ الْقِرَى وَهُوَ مَذْمُومٌ عَقْلًا وَشَرْعًا.
قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ) . قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ نَفْسَكَ مَطِيَّتُكَ فَارْفُقْ بِهَا» . وَلَيْسَ مِنَ الرِّفْقِ أَنْ يُجِيعَهَا وَيُذِيبَهَا، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا مَا يُفْضِي إِلَيْهِ، فَأَمَّا تَجْوِيعُ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُبَاحٌ وَفِيهِ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَبِهِ يَصِيرُ الطَّعَامُ مُشْتَهًى، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إِهْلَاكٌ لِلنَّفْسِ؛ وَكَذَا الشَّابُّ الَّذِي يَخَافُ الشَّبَقَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ الْأَكْلِ لِيَكْسِرَ شَهْوَتَهُ بِالْجُوعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» .
قَالَ: (وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْمَيِّتَةِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute