وَقَدْ يَأْثَمُ بِهِ إِذَا فَعَلَهُ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَهُوَ يَعْمَلُهُ، وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِ لِلِاعْتِبَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلِيَشْتَغِلُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْفِسْقِ فَحَسَنٌ وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِلتَّاجِرِ عِنْدَ فَتْحِ مَتَاعِهِ، وَيُكْرَهُ التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ (وَقَدْ يَأْثَمُ بِهِ إِذَا فَعَلَهُ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَهُوَ يَعْمَلُهُ) لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْمُخَالَفَةِ لِمُوجِبِهِ.
(وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِ لِلِاعْتِبَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلِيَشْتَغِلُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْفِسْقِ فَحَسَنٌ) وَكَذَا مَنْ سَبَّحَ فِي السُّوقِ بِنِيَّةِ أَنَّ النَّاسَ غَافِلُونَ مُشْتَغِلُونَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِالتَّسْبِيحِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَسْبِيحِهِ وَحْدَهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
قَالَ: (وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِلتَّاجِرِ عِنْدَ فَتْحِ مَتَاعِهِ) وَكَذَلِكَ الْفَقَّاعِي عِنْدَ فَتْحِ الْفُقَّاعِ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ لِذَلِكَ ثَمَنًا، بِخِلَافِ الْغَازِي أَوِ الْعَالِمِ إِذَا كَبَّرَ عِنْدَ الْمُبَارَزَةِ وَفِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّعْظِيمَ وَإِشْعَارَ شَعَائِرِ الدِّينِ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ حَالَ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلِهَذَا كُرِهَ فِي الْأَذَانِ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمُ» وَعَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ» : أَيِ الْوَعْظِ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا؟ . وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَا يَكْرَهُهُ مُحَمَّدٌ، وَبِهِ نَأْخُذُ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ لِلْمَيِّتِ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُبُورِ.
وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ وَيَصِلُ لِحَدِيثِ الْخَثْعَمَيَّةِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْحَجِّ، وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ» أَيْ جَعَلَ ثَوَابَهُ عَنْ أُمَّتِهِ. وَرُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكَ» «وَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ " أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَصِلُ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ.
الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا سِيقَتْ عَلَى قَوْلِهِ: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [النجم: ٣٦] . {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: ٣٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute