للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُ مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ كَقَوْلِكَ: قُمْ وَاقْعُدْ، وَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْإِثْمَ كَالْكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتِيمَةِ، ثُمَّ الْكَذِبُ مَحْظُورٌ إِلَّا فِي الْقِتَالِ لِلْخُدْعَةِ، وَفِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَفِي إِرْضَاءِ الرَّجُلِ الْأَهْلَ، وَفِي دَفْعِ الظَّالِمِ عَنِ الظُّلْمِ وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِالْكَذِبِ إِلَّا لِحَاجَةٍ؛

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَيَكُونُ إِخْبَارًا عَمَّا فِي شَرِيعَتِهِمَا فَلَا يَلْزَمُنَا، كَيْفَ وَقَدْ رُوِينَا عَنْ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خِلَافُهُ؟ . قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا لِقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ لَهُمْ مَا سَعَوْا وَسُعِيَ لَهُمْ. الثَّانِي أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] أَدْخَلَ الذُّرِّيَّةَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الثَّالِثُ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ هُنَا الْكَافِرُ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ لَهُ أَجْرُ مَا سَعَى وَسُعِيَ لَهُ. الرَّابِعُ تُجْعَلُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وَأَنَّهُ جَائِزٌ. قَالَ: فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ. الْخَامِسُ أَنَّهُ سَعَى فِي جَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ مَا سَعَى عَمَلًا بِالْآيَةِ. السَّادِسُ أَنَّ السَّعْيَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، وَمِنْهَا بِسَبَبِ قَرَابَتِهِ، وَمِنْهَا بِصَدِيقٍ سَعَى فِي خُلَّتِهِ، وَمِنْهَا بِمَا يَسْعَى فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَأُمُورِ الدِّينِ الَّتِي يُحِبُّهُ النَّاسُ بِسَبَبِهَا فَيَدْعُونَ لَهُ وَيَجْعَلُونَ لَهُ ثَوَابَ عَمَلِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ سَعْيِهِ، فَقَدْ قُلْنَا بِمُوجِبِ الْآيَةِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْنَا.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي انْقِطَاعَ عَمَلِهِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَامُ فِي وُصُولِ ثَوَابِ عَمَلِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ لَا يَنْفِيهِ، عَلَى أَنَّ النَّاسَ عَنْ آخِرِهِمْ قَدِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ فَيَكُونُ حَسَنًا بِالْحَدِيثِ.

قَالَ: (وَمِنْهُ مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ كَقَوْلِكَ: قُمْ وَاقْعُدْ وَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُكْتَبُ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا عِقَابَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَقَدْ رَوَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَكْتُبُ إِلَّا مَا كَانَ فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ، وَقِيلَ يُكْتَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: ١٢] الْآيَةَ، ثُمَّ يُمْحَى مَا لَا جَزَاءَ فِيهِ وَيَبْقَى مَا فِيهِ جَزَاءٌ، ثُمَّ قِيلَ يُمْحَى فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ وَفِيهِمَا تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ: (وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْإِثْمَ كَالْكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتِيمَةِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ حَرَامٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ.

(ثُمَّ الْكَذِبُ مَحْظُورٌ إِلَّا فِي الْقِتَالِ لِلْخُدْعَةِ، وَفِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَفِي إِرْضَاءِ الرَّجُلِ الْأَهْلَ، وَفِي دَفْعِ الظَّالِمِ عَنِ الظُّلْمِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: فِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَفِي الْقِتَالِ، وَفِي إِرْضَاءِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ» وَدَفْعُ الظَّالِمِ عَنِ الظُّلْمِ مِنْ بَابِ الصُّلْحِ.

قَالَ: (وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِالْكَذِبِ إِلَّا لِحَاجَةٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>