للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا غِيبَةَ لِظَالِمٍ يُؤْذِي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَلَا إِثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ لِيَزْجُرَهُ وَلَا غِيبَةَ إِلَّا لِمَعْلُومِينَ، فَلَوِ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ؛ وَإِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ وَأَحَبَّ أَنْ يَتَنَعَّمَ بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ وَجَوَارٍ جَمِيلَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ قَنِعَ بِأَدْنَى الْكِفَايَةِ، وَصَرَفَ الْبَاقِي إِلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ أَوْلَى.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

كَقَوْلِكَ لِرَجُلٍ كُلْ، فَيَقُولُ: أَكَلْتُ يَعْنِي أَمْسَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَصْدِهِ. وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الظَّاهِرِ.

قَالَ: (وَلَا غِيبَةَ لِظَالِمٍ يُؤْذِي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ) ؛ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ لِكَيْ تَحْذَرَهُ النَّاسُ» (وَلَا إِثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ لِيَزْجُرَهُ) لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وْمَنْعِ الظُّلْمِ. قَالَ: (وَلَا غِيبَةَ إِلَّا لِمَعْلُومِينَ، فَلَوِ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَالْقَذْفِ، وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ إِرْخَاءَ السِّتْرِ عَلَى الْبَيْتِ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَكَبُّرٍ وَفِيهِ زِينَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِسَتْرِ حِيطَانَ الْبَيْتِ بِاللُّبُودِ وَنَحْوِهِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً، وَيُكْرَهُ لِلزِّينَةِ وَقَدْ مَرَّ.

قَالَ: (وَإِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ وَأَحَبَّ أَنْ يَتَنَعَّمَ بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ وَجِوَارٍ جَمِيلَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ) فَإِنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَسَرَّى مَارِيَةَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْحَرَائِرِ» ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَوْلَدَ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْحَرَائِرِ؛ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢] الْآيَةَ.

قَالَ: (وَمَنْ قَنَعَ بِأَدْنَى الْكِفَايَةِ وَصَرَفَ الْبَاقِي إِلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ أَوْلَى) لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَدْنَى مَا يَكْفِيهِ عَزِيمَةٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنَعُّمِ وَنَيْلِ اللَّذَّاتِ رُخْصَةٌ؛ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الصَّعْبَةِ» ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِي مَاذَا صَرَفَهُ؟» .

وَالَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِخِصَالٍ: مِنْهَا التَّحَرُّزُ عَنِ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ؛ وَمِنْهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ فِي أَوْقَاتِهَا بِوَاجِبَاتِهَا تَامَّةً كَمَا أَمَرَ بِهَا؛ وَمِنْهَا التَّحَرُّزُ عَنِ السُّحْتِ وَاكْتِسَابِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ؛ وَمِنْهَا التَّحَرُّزُ عَنْ ظُلْمِ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الْأَمْرَ فِيهِ، فَلَا نُضَيِّقُهُ عَلَيْنَا وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَظَ النَّاسَ يَوْمًا وَذَكَرَ الْقِيَامَةَ، فَرَقَّ لَهُ النَّاسُ وَبَكَوْا، فَاجْتَمَعَ عَشَرَةٌ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبُو ذَرٍّ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَالْمِقْدَادُ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَمَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>