للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَمْ تَدْخُلْ، وَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ ذَلِكَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنَ الْمُوضِحَةِ وَالطَّرَفِ حَتَّى تَبْرَأَ، وَلَوْ شَجَّهُ فَالْتَحَمَتْ وَنَبَتَ الشَعْرُ سَقَطَ (س) الْأَرْشُ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَيَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ.

قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ) ; لِأَنَّ الْعَقْلَ إِذَا فَاتَ فَاتَ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إِذَا شَجَّهُ فَمَاتَ، وَأَمَّا الشَّعْرُ فَلِأَنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَتْ سَقَطَ الْأَرْشُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ بِفَوَاتِ جَمِيعِ الشَّعْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَشُلَّتْ يَدُهُ.

قَالَ: (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَمْ تَدْخُلْ، وَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ ذَلِكَ) لِمَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لَا تَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ بِخِلَافِ الْعَقْلِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ تَتَعَدَّى إِلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ دُونَ الْبَصَرِ ; لِأَنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَقْلِ، أَمَّا الْبَصَرُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبَقَائِهَا اعْتِرَافُ الْجَانِي أَوْ تَصْدِيقُهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنِ الْيَمِينِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَيُعْرَفُ الْبَصَرُ بِأَنْ يَنْظُرَهُ عَدْلَانِ مِنَ الْأَطِبَّاءِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يُعْرَفُ.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَسْتَعْلِمُ الْبَصَرَ؛ بِأَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةً يَخْتَبِرُ حَالَهُ بِهَا. وَأَمَّا السَّمْعُ فَيَسْتَغْفِلُ الْمُدَّعِي ذَهَابَ سَمْعِهِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ امْرَأَةً فَادَّعَتْ ذَهَابَ سَمْعِهَا، فَاحْتَكَمَا إِلَى الْقَاضِي إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَشَاغَلَ عَنْهَا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ: غَطِّي عَوْرَتَكِ فَجَمَعَتْ ذَيْلَهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فَيُعْرَفُ بِأَنْ يُسْتَغْفَلَ حَتَّى يُسْمَعَ كَلَامُهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الشَّمُّ فَيُخْتَبَرُ بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَإِنْ جَمَعَ مِنْهَا وَجْهُهُ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ.

قَالَ: (وَلَا يُقْتَصُّ مِنَ الْمُوضِحَةِ وَالطَّرَفِ حَتَّى تَبْرَأَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَرَحَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ فَجَاءَ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَطَلَبُوا الْقِصَاصَ فَقَالَ: " انْتَظِرُوا مَا يَكُونُ مِنْ صَاحِبِكُمْ» ، فَأَمَّا الْجِرَاحَةُ الْخَطَأُ فَلَا شُبْهَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا إِنِ اقْتَصَرَتْ فَظَاهِرٌ وَإِنْ سَرَتْ فَقَدْ أَخَذَ بَعْضَ الدِّيَةِ فَيَأْخُذُ الْبَاقِي.

قَالَ: (وَلَوْ شَجَّهُ فَالْتَحَمَتْ وَنَبَتَ الشَّعْرُ سَقَطَ الْأَرْشُ) لِزَوَالِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الشَّيْنُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ ; لِأَنَّ الشَّيْنَ وَإِنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ مَا زَالَ فَيَقُومُ الْأَلَمُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>