وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ أَوْ لَا يُعْلَمُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ أَحَدٌ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَضِرُّ بِهِ أَحَدٌ يُكْرَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الْغَيْرِ النَافِذِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرِهِمْ، وَلَوْ وَضَعَ جَمْرًا فِي الطَرِيقِ ضَمِنَ مَا أَحْرَقَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِذَا مَالَ حَائِطُ إِنْسَانٍ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَطَالَبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
(وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ أَوْ لَا يَعْلَمُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ إِضَافَةَ الْمَوْتِ إِلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَيُضَافُ إِلَيْهِمَا.
(ثُمَّ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ أَحَدٌ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ الْمُرُورِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَيَجُوزُ.
(وَإِنْ كَانَ يَسْتَضِرُّ بِهِ أَحَدٌ يُكْرَهُ) لِأَنَّ الْإِضْرَارَ بِالنَّاسِ حَرَامٌ عَقْلًا وَشَرْعًا.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الْغَيْرِ النَّافِذِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السُّكْنَى كَوَضْعِ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ نَظَرًا إِلَى الْعَادَةِ.
قَالَ: (وَلَوْ وَضَعَ جَمْرًا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا أَحْرَقَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) فَإِنْ حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَحْرَقَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمَ رِيحٍ، وَكَذَا صَبُّ الْمَاءِ وَرَبْطُ الدَّابَّةِ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاتِّخَاذُ الطِّينِ وَوَضْعُ الْمَتَاعِ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ فِي الطَّرِيقِ لِيَسْتَرِيحَ أَوْ ضَعُفَ عَنِ الْمَشْيِ لِإِعْيَاءٍ أَوْ مَرَضٍ فَعَثَرَ بِهِ أَحَدٌ فَمَاتَ وَجَبَتِ الدِّيَةُ لِمَا قُلْنَا: إِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي السَّبَبِ فَصَارَ كَحَافِرِ الْبِئْرِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ عَثَرَ بِذَلِكَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ وَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَاضِعِ لَا عَلَى الْعَاثِرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي فِي السَّبَبِ دُونَ الْعَاثِرِ، وَإِنْ نَحَّى رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَطِبَ بِهِ إِنْسَانٌ ضَمِنَ مَنْ نَحَّاهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ بِالتَّنْحِيَةِ شَغَلَ مَكَانًا آخَرَ وَأَزَالَ أَثَرَ فِعْلِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ الثَّانِي هُوَ الْجَانِي فَيَضْمَنُ، وَلَوْ رَشَّ الطَّرِيقَ أَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ ضَمِنَ.
قَالُوا: هَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمَارُّ بِالرَّشِّ بِأَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ لَيْلًا، وَإِنْ عَلِمَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِرُوحِهِ لَمَّا تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ فَكَانَ مُبَاشِرًا لِلتَّلَفِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَى الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الْمَوْضُوعَةِ فَعَثَرَ بِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَاضِعِ، وَقِيلَ: هَذَا إِذَا رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ، أَمَّا إِذَا رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْوَاضِعَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْمُرُورِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاضِعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَمْ يَحْرُمْ بِهِ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ كَحَافِرِ الْبِئْرِ، وَقَدْ مَرَّ.
قَالَ: (وَإِذَا مَالَ حَائِطُ إِنْسَانٍ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَطَالَبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ ; لِأَنَّ الْمَيَلَانَ وَشُغْلَ الْهَوَاءِ لَيْسَ بِفِعْلِهِ فَلَمْ يُبَاشِرِ الْقَتْلَ وَلَا سَبَبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهَوَاءَ صَارَ مَشْغُولًا بِحَائِطِهِ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute