. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَجَدَ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ فِي خَيْبَرَ فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَمَّاهُ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْكُبْرَ الْكُبْرَ، فَتَكَلَّمَ الْكَبِيرُ مِنْ عَمَّيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: تُبَرِّئُكُمُ الْيَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا يَحْلِفُونَ أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ فَقَالَ: فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ؟ قَالُوا: كَيْفَ نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَهُ؟ فَوَدَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ عِنْدِهِ» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: «أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتِيلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وُجِدَّ فِي جُبِّ الْيَهُودِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِلَى الْيَهُودِ وَكَلَّفَهُمْ قَسَامَةَ خَمْسِينَ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ لَهُ: نَحْلِفُ، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارُ: لَنْ نَحْلِفَ، فَأَلْزَمَ الْيَهُودَ دِيَتَهُ لِأَنَّهُ قُتِلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ» ، وَرُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَجَدْتُ أَخِي قَتِيلًا فِي بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اجْمَعْ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا عَلِمُوا لَهُ قَاتِلًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي مِنْ أَخِي إِلَّا هَذَا؟ قَالَ: بَلَى مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى وُجُوبِ الْأَيْمَانِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحِلَّةِ، وَتَرَدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْبَدَاءَةِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْمَحِلَّةِ يَلْزَمُهُمْ نُصْرَةُ مَحِلَّتِهِمْ وَحِفْظُهَا وَصِيَانَتُهَا عَنِ النَّوَائِبِ وَالْقَتْلِ، وَصَوْنِ الدَّمِ الْمَعْصُومِ عَنِ السَّفْكِ وَالْهَدْرِ، فَالشَّرْعُ أَلْحَقَهُمْ بِالْقَتَلَةِ لِتَرْكِ صِيَانَةِ الْمَحِلَّةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الدِّيَةِ صَوْنًا لِلْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ الْمَعْصُومِ عَنِ الْإِهْدَارِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قُتِلَ بِظَهْرِهِمْ فَصَارُوا كَالْعَاقِلَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَنْصَارِ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ» فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ لِمَا قَالُوا: لَا نَرْضَى بِيَمِينِ الْيَهُودِ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِيهِ النُّونُ، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا لَقَالَ: احْلِفُوا تَسْتَحِقُّوا دَمَ صَاحِبِكُمْ، وَمَا رُوِيَ: «تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ» فَمَعْنَاهُ أَتَحْلِفُونَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [الأنفال: ٦٧] أَيْ أَتُرِيدُونَ، وَلِأَنَّ الْبَدَاءَةَ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ، وَيَخْتَارُ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ رَجُلًا لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ فَيَخْتَارُ مَنْ يُظْهِرُ حَقَّهُ بِاخْتِيَارِهِ، أَمَّا مَنِ اتَّهَمَهُ بِالْقَتْلِ أَوِ الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ لِيَحْتَرِزُوا عَنِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ، فَإِذَا حَلَفُوا قُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ لِمَا رُوِّينَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute