للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ إِنْ وُجِدَ بَدَنُهُ أَوْ أَكْثَرُهُ أَوْ نِصْفُهُ مَعَ الرَّأْسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ خَمْسُونَ كُرِّرَتِ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ لِتَتِمَّ خَمْسِينَ، وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَسَوَاءٌ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحِلَّةِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ مُعَيَّنِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا ادَّعَى عَلَى بَعْضٍ بِأَعْيَانِهِمْ تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنِ الْبَاقِينَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً كَسَائِرِ الدَّعَاوِي.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ إِنْ وُجِدَ بَدَنُهُ أَوْ أَكْثَرُهُ أَوْ نِصْفُهُ مَعَ الرَّأْسِ) لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْبَدَنِ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ، وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ أَوْ أَقَلُّ مِنَ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ، أَوْ وُجِدَ رَأْسُهُ أَوْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ عُضْوٌ مِنْهُ آخَرُ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ ; لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْبَدَنِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ لَوَجَبَتْ، لَوْ وُجِدَ عُضْوٌ آخَرُ أَوِ النِّصْفُ الْآخَرُ فَتَتَكَرَّرُ الْقَسَامَةُ أَوِ الدِّيَةُ بِسَبَبِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ نَصٌّ.

قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ خَمْسُونَ كُرِّرَتِ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ لِتَتِمَّ خَمْسِينَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ بَيْنَ حَيَّيْنِ بِالْيَمَنِ وَادِعَةَ وَأَرْحَبَ، فَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وُجِدَ قَتِيلٌ لَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ قِسْ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَقْرَبَ فَأَلْزِمْهُمْ، فَكَانَ إِلَى وَادِعَةَ فَأَتَوْا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانُوا تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ رَجُلًا فَأَحْلَفَهُمْ وَأَعَادَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمُّوا خَمْسِينَ ثُمَّ أَلْزَمَهُمُ الدِّيَةَ، فَقَالُوا: نُعْطِي أَمْوَالَنَا وَأَيْمَانَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ فِيمَ يُطَلُّ دَمُ هَذَا؟

قَالَ: (وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْقَسَامَةِ نَفْسُ الْحَقِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدِّيَةِ؟ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَالُوا: نَبْذُلُ أَمْوَالَنَا وَأَيْمَانَنَا، أَمَا تُجْزِئُ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ؟ قَالَ لَا، وَإِذَا كَانَتْ نَفْسَ الْحَقِّ يُحْبَسُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، بِخِلَافِ الِامْتِنَاعِ عَنِ الْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ فِيهَا بَدَلٌ عَنِ الْحَقِّ حَتَّى يَسْقُطَ بِبَذْلِ الْمُدَّعِي، فَإِذَا نَكَّلَ لَزِمَهُ الْمَالُ وَهُوَ حَقُّهُ، فَلَا مَعْنَى لِلْحَبْسِ بِمَا لَيْسَ بِحَقٍّ. أَمَّا هُنَا لَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ بِبَذْلِ الدِّيَةِ وَكَانَ الْحَبْسُ بِحَقٍّ فَافْتَرَقَا.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ بِالنُّكُولِ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ.

قَالَ: (وَلَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ) لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ لِلدَّفْعِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ» ، وَالْوَلِيُّ يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَشْرَعُ فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمَالَ الْمُبْتَذَلَ الْمُهَانَ، فَلَأَنْ لَا تَسْتَحِقَّ النَّفْسُ الْمُحْتَرَمَةُ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>