وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَالِ وَالْوَرَثَةِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْوَصَيَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَفِي الْجُحُودِ خِلَافٌ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَلَدَتْهُ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِهِ فَإِنَّمَا تَصِحُّ إِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَالْوَصِيَّةِ بِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِالثَّمَرَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فَلِأَنْ تَصِحِّ بِالْمَوْجُودِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأُمِّهِ دُونَهُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إِفْرَادُهُ عَنْهَا صَحَّ إِفْرَادُهَا عَنْهُ ; لِأَنَّ مَا صَحَّ إِفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَمَا لَا فَلَا كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتْبَعُهَا ضَرُورَةُ الِاتِّصَالِ، فَإِذَا أَفْرَدَهَا نَصًّا صَحَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسٌ بِانْفِرَادِهِ فِي الْأَصْلِ.
قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَالِ وَالْوَرَثَةِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَوْتِ) حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا وَمَاتَ أَوْ كَانَ لَهُ فَذَهَبَ أَوْ نَقَصَ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَالُهُ حَالَةَ الْمَوْتِ ; لِأَنَّ وَقْتَئِذٍ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ وَيَنْتَقِلُ الْمَالُ إِلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَةُ لَا اعْتِبَارَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا بِإِجَازَتِهِ وَلَا بِرَدِّهِ لِأَنَّ الْمَالَ إِنَّمَا يَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِغَيْرِ الْمَالِكِ.
قَالَ: (وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) حَتَّى لَوْ أَجَازَهَا قَبْلَهُ أَوْ رَدَّهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لَأَنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يُوجَدُ قَبْلَهُ كَمَا إِذَا وُجِدَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهُوَ إِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْعُقُودِ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافَةٌ عَنِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْوَارِثِ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ الْمُوصَى لَهُ وَيَثْبُتُ جَبْرًا شَرْعًا مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ كَانَ لِلْمُوصِي إِلْزَامَهُ الْمِلْكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَا ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَأَوْصَى لَهُ بِمَا يَضُرُّهُ مِثْلَ مَا إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهُ بِمِلْكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ الْقَبُولُ شَرْطًا لَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ إِلَّا بِالْقَبُولِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمُوصِي قَبْلَ الْقَبُولِ فَتَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ، وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّا، إِلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا: يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمَّتْ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، وَالتَّوَقُّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ دَفْعًا لِضَرَرِ لُحُوقِ الْمِنَّةِ وَلَا يَلْحَقُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَنَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ ضَرُورَةَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ كَمَا إِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ كَذَا هَذَا.
قَالَ: (وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَفِي الْجُحُودِ خِلَافٌ) أَمَّا جَوَازُ الرُّجُوعِ؛ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ ; لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْمَوْتِ وَالْقَبُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ قَبْلَ التَّمَامِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا، وَالرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ قَوْلُهُ: رَجَعْتُ عَنِ الْوَصِيَّةِ أَوْ أَبْطَلْتُهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالرُّجُوعُ بِالْفِعْلِ مِثْلَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنِ الْمُوصَى بِهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا تَنْفُذُ فِي مِلْكِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute