وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ رَدَّهَا فِي وَجْهِ الْمُوصِي فَهُوَ رَدٌّ، وَإِنْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا ضَمَّ إِلَيْهِ الْقَاضِي آخَرَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا اسْتَبْدَلَ بِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَسَوَاءٌ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ أَوْ لَا، وَكَذَا إِذَا فَعَلَ فِعْلًا لَوْ فَعَلَهُ الْغَاصِبُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ كَانَ رُجُوعًا وَكَذَلِكَ فِعْلٌ يَكُونُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْغَصْبِ، وَكَذَا إِذَا فَعَلَ مَا يَزِيدُ بِهِ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا كَالْبِنَاءِ وَالصَّبْغِ وَالسَّمْنِ فِي السَّوِيقِ وَالْحَشْوِ بِالْقُطْنِ وَخِيَاطَةِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ وَبِالْعَكْسِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى نُقْصَانِهَا لِحُصُولِهَا بِفِعْلِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ.
وَذَبْحُ الشَّاةِ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لِحَاجَتِهِ عَادَةً فَلَا يَبْقَى إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ.
وَأَمَّا الْجُحُودُ فَهُوَ رُجُوعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ; لِأَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي، وَانْتِفَاؤُهُ فِي الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ، وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا، وَمِنَ الرُّجُوعِ قَوْلُهُ: الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ آخَرَ، أَوْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ ; لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا لَا يَكُونُ رُجُوعًا ; لِأَنَّ الْأُولَى إِنَّمَا بَطَلَتْ ضَرُورَةُ صِحَّةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي بَطَلَتِ الْأُولَى لِصِحَّةِ الثَّانِيَةِ وَبَطَلَتِ الثَّانِيَةُ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَاللَّفْظُ غَيْرُ قَاطِعٍ لَهَا بَلْ صَالِحٌ فَيَثْبُتُ لَهُمَا.
قَالَ: (وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ رَدَّهَا فِي وَجْهِ الْمُوصِي فَهُوَ رَدٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلْزَامُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
(وَإِنْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ) لِمَا فِيهِ مِنْ خِيَانَةِ الْمَيِّتِ وَغُرُورِهِ، فَإِنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَاثِقًا بِخِلَافَتِهِ بَعْدَهُ فِي أُمُورِهِ وَتَرِكَتِهِ فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَهُ الرُّجُوعُ ; لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ، وَعَلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَافْتَرَقَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ ; لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ إِلْزَامُهُ فَيُخَيَّرُ، ثُمَّ الْقَبُولُ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنَ الْأَهْلِ عَنْ وِلَايَةٍ، وَكَذَا إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ قَضَى مَالًا أَوِ اقْتَضَاهُ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إِنَّمَا تَثْبُتُ حَالَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إِلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْعِلْمِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالْإِرْثِ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا ضَمَّ إِلَيْهِ الْقَاضِي آخَرَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا اسْتَبْدَلَ بِهِ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْصِيَاءَ ثَلَاثَةٌ: أَمِينٌ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا أُوصِي إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقَرِّرُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute