وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ (ف سم) ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا طَاهِرًا، فَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا صَلَّاهَا أَجْزَأَتْهُ عَنِ الظُّهْرِ وَإِنْ أَمَّ فِيهَا جَازَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ.
قَالَ: (وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ) وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحَةُ وَنَحْوُهَا، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَأَخْطَأَ السُّنَّةَ. وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ. وَالتَّسْبِيحَةُ وَالتَّحْمِيدَةُ لَا تُسَمَّى خُطْبَةً. وَلَهُ أَنَّ التَّسْبِيحَةَ وَالتَّحْمِيدَةَ خُطْبَةٌ. لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَعَانٍ جَمَّةٍ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي: «وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: " لَئِنْ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ» سُمِّيَ هَذَا الْقَدْرُ خُطْبَةً، وَالْخُطْبَةُ لَا نِهَايَةَ لَهَا، فَيَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِالْأَدْنَى، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] وَهَذَا ذِكْرٌ فَتَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِهِ.
(وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا طَاهِرًا) هُوَ الْمَأْثُورُ.
(فَإِنْ خَطَبَ قَاعِدَا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا أَسَنَّ كَانَ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَلِأَنَّ الطِّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ كَالتِّلَاوَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، إِلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ، وَقَدْ أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ.
قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَمِّيَّتِهَا.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ سِوَى الْإِمَامِ، وَأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَالثَّلَاثَةُ مِمَّنْ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الِاجْتِمَاعِ وَقَدْ وُجِدَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ ثَلَاثَةٌ وَمَا دُونَهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَتَأَدَّى بِالْمُخْتَلِفِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ إِذَا بَعُدَتْ أَطْرَافُهُ شَقَّ عَلَى أَهْلِهِ الْمَشْيُ مِنْ طَرَفٍ إِلَى طَرَفٍ فَيَجُوزُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ فَلَا حَرَجَ بَعْدَهَا، وَلِهَذَا كَانَ عَلَيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُصَلِّي الْعِيدَ فِي الْجَبَّانَةِ، أَيِ الْمُصَلَّى، وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ، وَالْجَبَّانَةُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَاحِدٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ فِي مَوْضِعَيْنِ لَجَازَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ كَغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ نَهْرٌ فَاصِلٌ كَبَغْدَادَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمِصْرَيْنَ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَأْمُرُ بِقَطْعِ الْجِسْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ لِتَنْقَطِعَ الْوَصْلَةُ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سَبَقَ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا بِشَرَائِطِهَا، وَتَفْسُدُ جُمُعَةُ الْآخَرِينَ وَيَقْضُونَ الظُّهْرَ، فَإِنْ صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدَيْنِ مَعًا، أَوْ لَا يَدْرِي مَنْ سَبَقَ فَصَلَاةُ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا يُخْرَجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِالشَّكِّ. قَالَ: (وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) الْجُمُعَةُ، (إِذَا صَلَّاهَا أَجْزَأَتْهُ عَنِ الظُّهْرِ، وَإِنَّ أَمَّ فِيهَا جَازَ) لِأَنَّهَا وُضِعَتْ عَنْهُمْ تَخْفِيفًا وَرُخْصَةً لِمَكَانِ الْعُذْرِ، فَإِذَا حَضَرُوا زَالَ الْعُذْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute