فأما حكمه بحرمة القطع في حالة الخوف من الهلاك بسبب فعل القطع فهو أمر مسلم، ولكن بشرط أن يكون ذلك الخوف مبنيًا على قول الأطباء، وأهل المعرفة وهذه الحالة نادرة الوقوع في العصر الحاضر نظرًا لتطور علم الجراحة ووسائله التي منَّ الله تعالى بها على عباده.
وإنما حرم فعل القطع في هذه الحالة لأنه يفضي إلى فوات النفس وتلفها، وهي مفسدة أعظم من مفسدة بقاء الباسور بآلامه، فوجب تقديم المنع والحكم بحرمة فعله.
وأما حكمه بإباحته في حال خوفه الهلاك بسبب ترك قطع الباسور فهو مبني على نفس الأصل المتقدم لأن مصلحة حفظ الروح موجودة في القطع، ومفسدة فواتها في تركه، فقدمت مصلحة حفظ الروح بفعل القطع على مفسدة فواتها بتركه والصورة العكسية تقتضي القول بالوجوب في هذه الحالة لأنه مقابل للقول بالحرمة والعلتان متقابلتان، لكن لعله لاحظ أن حصول مصلحة حفظ الروح بفعل القطع في هذه الصورة غالبة بخلاف الصورة الأولى فإنها متيقنة في تركه للقطع الموجب لها.
وأما حكمه بكراهة قطعه فيما عدا هاتين الحالتين فهو محل إشكال خاصة وأنه لم يبين مستنده في ذلك، اللهم إلا أن يقال: إنه راعى مفسدة كشف العورة أو أن القطع في عصره كان مشتملاً على ما يوجب الحكم بكراهة فعله، وأيًا ما كان فإن ما تقدم بيانه في مشروعية القطع عند الحاجة يدل على جواز قطع الباسور في هذه الحالة بدون كراهة،