للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إقدامهم على فعل غير مأذون به شرعًا، إلا أنه قد تخلف فيهم قصد الاعتداء لاعتبار فعلهم جناية عمد موجبة للقصاص، بل إنهم في الغالب إنما يقصدون الإحسان ويتمنون زوال الآلام لما في ذلك من ربح لهم بأخذ الأجرة المستحقة، فكانت هذه شبهة موجبة لدرء القصاص عنهم (١)، ولذلك كان من شرط هذه الصورة انتفاء قصد الإضرار كما بينته في عنوانها، إخراجًا للحالة الأخرى المشتملة على قصده وهي الموجبة للقصاص.

وأما صيانة الشريعة لأرواح الناس وأجسادهم بهذا الحكم فلأنه يتضمن زجر الغير عن الإقدام على فعل أي مهمة بغيره -خاصة إذا كانت خطرة كالجراحة- في حال جهله بتلك المهمة، إذ بمجرد علمه أنه سيضمن كل ما يترتب على فعله من ضرر فإنه سيرعوي وينكف عن الإقدام على فعلها دفعًا لضرر الضمان عن نفسه، وحينئذ لا يقدم على علاج الناس في أجسادهم إلا من كان واثقًا بعلمه وعمله، فتسلم تلك الأجساد من تدخل الجاهلين وأضرارهم.

وأما اشتراط علم المريض بجهل الطبيب، فذلك مبني على أنه لو علم بجهله ومكنه من فعل المهمة التي يجهلها فإنه حينئذ يعتبر راضيًا بما ينشأ عن فعله من أضرار، ومن ثم يسقط حقه في المطالبة بضمان ما أتلفه ذلك الطبيب الذي أذن له بالعمل.

ولا يشكل على إيجاب الضمان في هذه الصورة وجود إذن المريض بالفعل نفسه الذي نتج عنه الضرر، لأنه إنما أذن بناء على تغرير الأطباء، ومساعديهم له بادعائهم المعرفة والعلم بتلك المهمة، ولو


(١) قال الإمام ابن المنذر -رحمه الله-: "أجمعوا على أن درء الحد بالشبهات" الإجماع لابن المنذر ص٦٩.

<<  <   >  >>