للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما قوله فذلك في أمره لأبي رافع -رضي الله عنه- في حديثه الصحيح. وأما فعله فذلك في إعطائه الحجام أجرته، إذ لا يصح أن يعطي النبي - صلى الله عليه وسلم - الحرام أو يعين عليه (١).

الوجه الثاني:

أن وصف كسب الحجامة بالخبيث كما ورد في حديث أبي رافع -رضي الله عنه- لا يستلزم التحريم. ولذلك ورد وصف الثوم والبصل بالخبيث، مع أنهما من المباحات (٢).

الوجه الثالث:

أن حديث أنس -رضي الله عنه- لم أعثر على من صححه، وهو معارض بما ثبت عنه في الصحيحين أنه سئل عن كسب الحجام فذكر احتجام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعطاءه لأبي طيبة الصاعين أجرة للحجامة، فكونه لم يذكر تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه إشارة إلى بعد صحة رواية التحريم، وإن كان التحريم واردًا من طرق صحيحة عن غيره من الصحابة.

إلا أن يقال إنه كان عالمًا بالتحريم، ولم يذكره لكونه منسوخًا وهذا هو مسلك بعض العلماء -رحمهم الله- في جمعهم بين هذه الأحاديث المختلفة فإنهم يرون أن النهي كان في أول الأمر ثم نسخ (٣).

وعلى كل فإن حديث أنس -رضي الله عنه- هذا إما ضعيف، أو


(١) أشار إلى هذا الجواب الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في المغني ٦/ ١٢٢.
(٢) المغني والشرح الكبير لابن قدامة ٦/ ١٢٢.
(٣) أشار إلى هذا المسلك الحافظ ابن حجر -رحمه الله- ونسب إلى الطحاوي -رحمه الله- جنوحه إليه ثم رده بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال. فتح الباري ٤/ ٣٠٩.
قلت: وقد مال إلى هذا المسلك الإمام السرخسي -رحمه الله-، في المبسوط ٥/ ٨٤. وحكاه الإمام ابن رشد الجد -رحمه الله- في البيان ورجح الجواب بأن النهي للكراهة وأن الحديث ليس بمنسوخ. البيان والتحصيلى ٨/ ٤٤٦. قلت: وحديث أنس -رضي الله عنه- هذا إذا ثبت فيه دليل على النسخ، والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>