كتاب أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها

الفصل الثالث في (مشروعية الجراحة الطبية) - المبحث الأول في (موقف الشريعة الإسلامية من تعلم الطب والجراحة الطبية) - ص: 79

الكفاية، فإن الحرف، والصناعات التي لابد للناس منها في معايشهم كالفلاحة فرض كفاية، فالطب والحساب أولى" (١) اهـ.

فقوله -رحمه الله-: "المحتاج إليه": فيه دليل على أن الحكم بفرضية الطب على الكفاية إنما هو مبني على وجود الحاجة إليه.

ولاشك في أن هذه الحاجة موجودة في كل زمان ومكان، ولكنها تتفاوت في قدرها على حسب تفاوت الظروف والأحوال.

ولا يزال المسلمون الآن في مختلف الأمصار والأقطار الإسلامية بحاجة ماسة إلى الأطباء الذين يقومون بمعالجة مرضاهم، ومداواة جرحاهم، ونظرًا لذلك اضطروا لاستجلاب الأطباء من بلاد الكفر، وهذا يؤكد وجود الحاجة، الأمر الذي يجعل الحكم بفرضية تعلمه على الكفاية، والذي نص عليه الفقهاء المتقدمون -رحمهم الله- باق إلى يومنا هذا حتى تسد الحاجة الموجودة، ويصبح المسلمون في غنى تام عن استجلاب الأطباء الكفار.

وإذا كانت هذه الحاجة موجودة في البلدان الإسلامية فإنه يتعين على ولاة أمورها تجنيد الأكفاء الأخيار من المسلمين لتعلم الطب وتعليمه وتطبيقه، ولا ينبغي لهم البقاء على هذه الحالة التي اتكلوا فيها على أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم لما في ذلك من الأضرار الدينية والدنيوية الكثيرة التي لا تخفى (٢)، وقد اتجهت كثير من

---

= وبرع في علوم كثيرة، وكان إمامًا مقدمًا فيها، توفي -رحمه الله- بطوس في عام ٥٠٥ من الهجرة، وله مصنفات كثيرة منها: المستصفى، تهافت الفلاسفة، إحياء علوم الدين. البداية والنهاية لابن كثير ١٢/ ١٧٣، ١٧٤، وطبقات الشافعية لابن هداية ص ٦٩ - ٧١.
(١) روضة الطالبين للنووي ١/ ٢٢٣.
(٢) تكلم ابن الحاج -رحمه الله- على ضرر الطبيب الكافر وخطره، انظر كتابه المدخل ٤/ ١١٤ - ١٢٠.