والتصدق تطوع محض فتفضل عليه، لأنها تفوت بفوات وقتها، والصدقة يؤتى بها في الأوقات كلها فنزلت منزلة الطواف والصلاة في حق الآفاقي "ولو لم يضح حتى مضت أيام النحر إن كان أوجب على نفسه أو كان فقيرا وقد اشترى الأضحية تصدق بها حية وإن كان غنيا تصدق بقيمة شاة اشترى أو لم يشتر" لأنها واجبة على الغني. وتجب على الفقير بالشراء بنية التضحية عندنا، فإذا فات الوقت وجب عليه التصدق إخراجا له عن العهدة، كالجمعة تقضى بعد فواتها ظهرا، والصوم بعد العجز فدية.
قال:"ولا يضحي بالعمياء والعوراء والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك ولا العجفاء" لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تجزئ في الضحايا أربعة: العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي"
قال:"ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب". أما الأذن فلقوله عليه الصلاة والسلام:"استشرفوا العين والأذن" أي اطلبوا سلامتهما. وأما الذنب فلأنه عضو كامل مقصود فصار كالأذن.
قال:"ولا التي ذهب أكثر أذنها وذنبها، وإن بقي أكثر الأذن والذنب جاز" لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفوا.
واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في مقدار الأكثر. ففي الجامع الصغير عنه: وإن قطع من الذنب أو الأذن أو العين أو الألية الثلث أو أقل أجزأه، وإن كان أكثر لم يجزه لأن الثلث تنفذ فيه الوصية من غير رضا الورثة فاعتبر قليلا، وفيما زاد لا تنفذ إلا برضاهم فاعتبر كثيرا، ويروى عنه الربع لأنه يحكي حكاية الكمال على ما مر في الصلاة، ويروى الثلث لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الوصية "الثلث والثلث كثير" وقال أبو يوسف ومحمد: إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه اعتبارا للحقيقة على ما تقدم في الصلاة وهو اختيار الفقيه أبي الليث. وقال أبو يوسف: أخبرت بقولي أبا حنيفة، فقال قولي هو قولك. قيل هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف، وقيل معناه قولي قريب من قولك. وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما كما في انكشاف العضو عن أبي يوسف، ثم معرفة المقدار في غير العين متيسر، وفي العين قالوا: تشد العين المعيبة بعد أن لا تعتلف الشاة يوما أو يومين ثم يقرب العلف إليها قليلا قليلا، فإذا رأته من موضع أعلم على ذلك المكان ثم تشد عينها الصحيحة وقرب إليها العلف قليلا قليلا حتى إذا رأته من مكان أعلم عليه. ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما، فإن كان ثلثا فالذاهب الثلث، وإن كان نصفا فالنصف.