[باب في صفة الوصية ما يجوز من ذاك وما يستحب منه وما يكون رجوعا عنه]
...
[كتاب الوصايا]
باب في صفة الوصية: ما يجوز من ذلك وما يستحب منه وما يكون رجوعا عنه
قال:"الوصية غير واجبة وهي مستحبة" والقياس يأبى جوازها لأنه تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته، ولو أضيف إلى حال قيامها بأن قيل ملكتك غدا كان باطلا فهذا أولى، إلا أنا استحسناه لحاجة الناس إليها، فإن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله، فإذا عرض له المرض وخاف البيان يحتاج إلى تلافي بعض ما فرط منه من التفريط بماله على وجه لو مضى فيه يتحقق مقصده المآلي، ولو أنهضه البرء يصرفه إلى مطلبه الحالي، وفي شرع الوصية ذلك فشرعناه، ومثله في الإجارة بيناه، وقد تبقى المالكية بعد الموت باعتبار الحاجة كما في قدر التجهيز والدين، وقد نطق به الكتاب وهو قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:١٢] والسنة وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة لكم في أعمالكم تضعونها حيث شئتم" أو قال "حيث أحببتم" وعليه إجماع الأمة. ثم تصح للأجنبي في الثلث من غير إجازة الورثة لما روينا، وسنبين ما هو الأفضل فيه إن شاء الله تعالى.
قال:"ولا تجوز بما زاد على الثلث" لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "الثلث والثلث كثير" بعد ما نفى وصيته بالكل والنصف، ولأنه حق الورثة، وهذا لأنه انعقد سبب الزوال إليهم وهو استغناؤه عن المال فأوجب تعلق حقهم به، إلا أن الشرع لم يظهره في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك مصيره على ما بيناه، وأظهره في حق الورثة لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما يتفق من الإيثار على ما نبينه، وقد جاء في الحديث "الحيف في الوصية من أكبر الكبائر" وفسروه بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث.
قال:"إلا أن يجيزه الورثة بعد موته وهم كبار" لأن الامتناع لحقهم وهم أسقطوه