المضاربة: مشتقة من الضرب في الأرض؛ سمي بها لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله، وهي مشروعة للحاجة إليها، فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه، وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه، فمست الحاجة إلى شرع هذا النوع من التصرف لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني. وبعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يباشرونه فقررهم عليه وتعاملت به الصحابة، ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده لأنه قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل والوثيقة، وهو وكيل فيه لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه، وإذا ربح فهو شريك فيه لتملكه جزءا من المال بعمله، فإذا فسدت ظهرت الإجارة حتى استوجب العامل أجر مثله، وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره.
قال:"المضاربة عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين" ومراده الشركة في الربح وهو يستحق بالمال من أحد الجانبين "والعمل من الجانب الآخر" ولا مضاربة بدونها؛ ألا ترى أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضا.
قال:"ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة" وقد تقدم بيانه من قبل، ولو دفع إليه عرضا وقال بعه واعمل مضاربة في ثمنه جاز له لأنه يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة فلا مانع من الصحة، وكذا إذا قال له اقبض ما لي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا، بخلاف ما إذا قال له اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا تصح المضاربة، لأن عند أبي حنيفة رحمه الله لا يصح هذا التوكيل على ما مر في البيوع. وعندهما يصح لكن يقع الملك في المشترى للآمر فيصير مضاربة بالعرض.
قال:"ومن شرطها أن يكون الربح بينهما مشاعا لا يستحق أحدهما دراهم مسماة" من الربح لأن شرط ذلك يقطع الشركة بينهما ولا بد منها كما في عقد الشركة.
قال:"فإن شرط زيادة عشرة فله أجر مثله" لفساده فلعله لا يربح إلا هذا القدر فتنقطع الشركة في الربح، وهذا لأنه ابتغى عن منافعه عوضا ولم ينل لفساده، والربح لرب المال لأنه