للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كتاب الهبة]

[حكمها وكيفية انعقادها]

...

[كتاب الهبة]

الهبة عقد مشروع لقوله عليه الصلاة والسلام: "تهادوا تحابوا" وعلى ذلك انعقد الإجماع "وتصح بالإيجاب والقبول والقبض" أما الإيجاب والقبول فلأنه عقد، والعقد ينعقد بالإيجاب، والقبول، والقبض لا بد منه لثبوت الملك. وقال مالك: يثبت الملك فيه قبل القبض اعتبارا بالبيع، وعلى هذا الخلاف الصدقة. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تجوز الهبة إلا مقبوضة" والمراد نفي الملك، لأن الجواز بدونه ثابت، ولأنه عقد تبرع، وفي إثبات الملك قبل القبض إلزام المتبرع شيئا لم يتبرع به، وهو التسليم فلا يصح، بخلاف الوصية؛ لأن أوان ثبوت الملك فيها بعد الموت ولا إلزام على المتبرع؛ لعدم أهلية اللزوم، وحق الوارث متأخر عن الوصية فلم يملكها.

قال: "فإن قبضها الموهوب له في المجلس بغير أمر الواهب جاز" استحسانا "وإن قبض بعد الافتراق لم يجز إلا أن يأذن له الواهب في القبض" والقياس أن لا يجوز في الوجهين وهو قول الشافعي؛ لأن القبض تصرف في ملك الواهب، إذ ملكه قبل القبض باق فلا يصح بدون إذنه، ولنا أن القبض بمنزلة القبول في الهبة من حيث إنه يتوقف عليه ثبوت حكمه وهو الملك، والمقصود منه إثبات الملك فيكون الإيجاب منه تسليطا على القبض، بخلاف ما إذا قبض بعد الافتراق؛ لأنا إنما أثبتنا التسليط فيه إلحاقا له بالقبول، والقبول يتقيد بالمجلس، فكذا ما يلحق به، بخلاف ما إذا نهاه عن القبض في المجلس؛ لأن الدلالة لا تعمل في مقابلة الصريح.

قال: "وتنعقد الهبة بقوله وهبت ونحلت وأعطيت"؛ لأن الأول صريح فيه والثاني مستعمل فيه. قال عليه الصلاة والسلام: "أكل أولادك نحلت مثل هذا؟ " وكذلك الثالث، يقال: أعطاك الله ووهبك الله بمعنى واحد "وكذا تنعقد بقوله أطعمتك هذا الطعام وجعلت هذا الثوب لك وأعمرتك هذا الشيء وحملتك على هذه الدابة إذا نوى بالحملان الهبة" أما الأول فلأن الإطعام إذا أضيف إلى ما يطعم عينه يراد به تمليك العين، بخلاف ما إذا قال: أطعمتك هذه الأرض حيث تكون عارية؛ لأن عينها لا تطعم فيكون المراد أكل غلتها؛ وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>