فصل:"قال أبو حنيفة رحمه الله: شاهد الزور أشهره في السوق ولا أعزره.
وقالا: نوجعه ضربا ونحبسه" وهو قول الشافعي رحمه الله. لهما ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه، ولأن هذه كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد وليس فيها حد مقدر فيعزر. وله أن شريحا كان يشهر ولا يضرب، ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفي به، والضرب وإن كان مبالغة في الزجر ولكنه يقع مانعا عن الرجوع فوجب التخفيف نظرا إلى هذا الوجه. وحديث عمر رضي الله عنه محمول على السياسة بدلالة التبليغ إلى الأربعين والتسخيم ثم تفسير التشهير منقول عن شريح رحمه الله فإنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا، وإلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر أجمع ما كانوا، ويقول: إن شريحا يقرئكم السلام ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروا الناس منه. وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أنه يشهر عندهما أيضا. والتعزير والحبس على قدر ما يراه القاضي عندهما، وكيفية التعزير ذكرناه في الحدود.
"وفي الجامع الصغير: شاهدان أقرا أنهما شهدا بزور لم يضربا وقالا يعزران" وفائدته أن شاهد الزور في حق ما ذكرنا من الحكم هو المقر على نفسه بذلك، فأما لا طريق إلى إثبات ذلك بالبينة لأنه نفي للشهادة والبينات للإثبات، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.