قال:"ومن أوصى إلى رجل فقبل الوصي في وجه الموصي وردها في غير وجهه فليس برد" لأن الميت مضى معتمدا عليه، فلو صح رده في غير وجهه في حياته أو بعد مماته صار مغرورا من جهته فرد رده، بخلاف الوكيل بشراء عبد بغير عينه أو ببيع ماله حيث يصح رده في غير وجهه لأنه لا ضرر هناك لأنه حي قادر على التصرف بنفسه "فإن ردها في وجهه فهو رد" لأنه ليس للموصي ولاية إلزامه التصرف، ولا غرور فيه لأنه يمكنه أن ينيب غيره "وإن لم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل" لأن الموصي ليس له ولاية الإلزام فبقي مخيرا، فلو أنه باع شيئا من تركته فقد لزمته، لأن ذلك دلالة الالتزام والقبول وهو معتبر بعد الموت، وينفذ البيع لصدوره من الوصي، وسواء علم بالوصاية أو لم يعلم، بخلاف الوكيل إذا لم يعلم بالتوكيل فباع حيث لا ينفذ لأن الوصاية خلافة لأنه يختص بحال انقطاع ولاية الميت فتنتقل الولاية إليه، وإذا كانت خلافة لا تتوقف على العلم كالوراثة. أما التوكيل إنابة لثبوته في حال قيام ولاية المنيب فلا يصح من غير علمه كإثبات الملك بالبيع والشراء وقد بينا طريق العلم وشرط الإخبار فيما تقدم من الكتب.
"وإن لم يقبل حتى مات الموصي فقال لا أقبل ثم قال أقبل فله ذلك إن لم يكن القاضي أخرجه من الوصية حين قال لا أقبل" لأن بمجرد قوله لا أقبل لا يبطل الإيصاء، لأن في إبطاله ضررا بالميت وضرر الوصي في الإبقاء مجبور بالثواب، ودفع الأول وهو أعلى أولى، إلا أن القاضي إذا أخرجه عن الوصاية يصح ذلك لأنه مجتهد فيه، إذ للقاضي ولاية دفع الضرر، وربما يعجز عن ذلك فيتضرر ببقاء الوصاية فيدفع القاضي الضرر عنه وينصب حافظا لمال الميت متصرفا فيه فيندفع الضرر من الجانبين فلهذا ينفذ إخراجه، فلو قال بعد إخراج القاضي إياه أقبل لم يلتفت إليه لأنه قبل بعد بطلان الوصاية بإبطال القاضي.
"ومن أوصى إلى عبد أو كافر أو فاسق أخرجهم القاضي عن الوصاية ونصب غيرهم" وهذا اللفظ يشير إلى صحة الوصية، لأن الإخراج يكون بعدها. وذكر محمد في الأصل أن الوصية باطلة. قيل معناه في جميع هذه الصور أن الوصية ستبطل، وقيل معناه في العبد باطل حقيقة لعدم ولايته واستبداده، وفي غيره معناه ستبطل، وقيل في الكافر باطل أيضا لعدم ولايته على المسلم. ووجه الصحة ثم الإخراج أن الأصل النظر ثابت لقدرة العبد حقيقة، وولاية الفاسق على أصلنا وولاية الكافر في الجملة، إلا أنه لم يتم النظر لتوقف ولاية